الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

كتاب الدين والسياسة - يوسف حسن

#الدين_والسياسة
#يوسف_حسن
الحلقة الثانية #قصور_الاستيعاب_أم_ضعف_الالتزام :

*يشق على المرء أن يتهم بعض القادة المثقفين بقصور الاستيعاب أو ضعف الالتزام وهم من هم على قمة الثقافة والمعرفة ومقدمة الركب بزعمهم وزعم غيرهم وبواقع الحال .
ولكن ماذا نقول أمام نتائج استيعابهم وأعمالهم بل خلاصات أقوالهم التي بلغ وضوح الضعف والخطأ فيها من الوضوح ما يبلغه الملموس والمرئي والمسموع فهم فعلا في القيادة ولكن السفينة أو في القبطان أو كلاهما .. وكلاهما مسؤولية القبطان.
وبالنسبة لموضوع الديمقراطية فقد رأينا وسنرى أنه لا يوجد تعارض بينها وبين الدين وخاصة الإسلامي ، وأنها موجودة في الإسلام بقدر أدق وأعمق وأصدق إن جاز أن تقدر بقدر أو تقاس بمقياس . وسنرى أنه لا غضاضة أن تسمى ديمقراطية أو شورى .
يبدو أن أكثر المدافعين عن الإسلام والمنادين بالديمقراطية لم يتوافروا على دراسة الأمرين ، بل دراسة الأمر الواحد فيهما ناهيك بأن يفحصوهما بحثاً عن نقاط الالتقاء والتطابق ومقاطع الاختلاف والتباين . ومن فعل شيئاً من ذلك فربما كان على عجلة من أمره فاكتفى بما تيسر والتقط السهل الخفيف من الحجج لزوم السفسطة والجدل .
إن هناك ما يدعو إلى شك في فهم وجدية أو قناعة بعض القادة والمثقفين متحزبين ومتسلقين بما يدعون له أو ضده من إسلام أو علمانية أو غيرهما . وهناك اتهام لبعضهم يجد ما يسنده من الأدلة ، يقول الاتهام بأن هذا البعض من المثقفين يخوض المعركة بغير سلاحها ومن أبراج الاستعلاء والاستكبار الصفوي والدليل ما يدور في الجلسات الخاصة من أحاديث وما يقع فيها من أفعال وممارسات غارقة في شهوانية التسلط والتميز والاستعلاء ، حتى في الممارسة الديمقراطية تصر بعض الفئات على أن تميز نفسها عن عامة الناس بحق انتخابي أكثر كماً وأعلى نوعاً ودرجةً ، بحجة المهنة والدرجة العلمية ، خريجون وقوة حديثة ..! هذه الطبقة من الصفوة تمارس التأثير على الرأي العام من قريب ومن بعيد حتى حينما تختار لنفسها الاسترخاء في مقعد الحياد والاستقلالية أو اعتزال السياسة والتظاهر بالبعد عنها . فهم أصحاب وأقارب القادة والسياسيين ينالون بصحبتهم وقربهم ما يشتهون من مناصب ومكاسب ولا يكلفهم ذلك أكثر من إظهار الميل للحزب أو الاهتمام ولو مرة مقصودة بشأن سياسي والتعبير عن رأي مطابق أو مقارب لرأي الحزب المقصود . بل تؤثر هذه الطبقة في توجيه الرأي العام بمجرد أن تعبر عفواً أو بغير اكتراث عن عدم اعترافها أو خضوعها لحكومة فلان أو الفلانيين رغم اعترافهم بأنها حكومة منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً وفق النظام الديمقراطي الذي لا تفوتهم لحظة في التعبير عن المناداة به إن غاب والدعوة إلى الحفاظ عليه إن قام ، هذا على الرغم من أن كل إجراءات الديمقراطية يقوم بها هؤلاء الصفويون . بدءاً من قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر كماً ونوعاً إلى تسجيل الناخبين ووضع جداول الانتخابات وتنفيذها حتى آخر مراحلها .
هذه علل قاتلة ؛ علل السلبية المؤثرة والتزييف المستمر وقصور الاستيعاب والفهم وضعف الالتزام بالمبادئ وضعف الجدية عند التنفيذ والممارسة . علل وعيوب تعاب على العامة دعك من القادة والمثقفين . ومالم تعالج هذه العلل فإن جسم المجتمع سيستمر في هزاله ، وهياكل أنظمته ستستمر في تحللها وتخلخلها ولن تعالج ذلك المسكنات الوقتية والمسميات المفرغة والخطب الدونكوشوتية .
وبعد فإن ما أريد أن أقوله خلال هذه الصفحات هو أن حقيقة الموضوعية والعلم أن يعرف الإنسان طريق السعادة ، والأكمل أن يكشف طريقاً خالياً من المطبات والعوائق يخرج منه سعيداً سليماً في الدارين ، وأن ما يقرره الإسلام من حقوق وما يوجبه من واجبات هو ما لابد منه لسعادة كل إنسان سواء اعتنق ذلك الإنسان الإسلام أم لم يعتنقه . وأن ما يحرمه ويمنعه هو ما بعدمه تصح الأجسام وتسلم العقول وتحفظ الأموال والنسل وتصان الكرامة ويسلم المجتمع فيسعد كل من فيه بصرف النظر عن نوع دينه أو اعتقاده .
وأن العقوبات ما هي إلا عصا غليظة ترفع في وجه المسلم الذي يريد أن يضر نفسه أو عيره في نسله أو نفسه أو عقله أو ماله أو عرضه أو كرامته وهي تقع فقط على المجرم المصر المستهتر وليس المخطئ بجهل أو سهو أو اشتباه ولا المستتر ببليته عن العيون أو من دفعته إليها ضرورة.

حقائق الإسلام بين أخطاء الممارسة والفهم وأغراض الخصوم

كما أن كثرة الكلام عن الشئ تعني شدة حبه عند من يحبه ، فهي قد تؤدي إلى ذهاب هيبته عند الطرف الآخر من ناحية أو إلى شيوع الفهم الخاطئ بزيادة طردية مع عدد من يتبادل الحديث في الموضوع وعدد مرات التبادل . ففي كل مرة ومن كل متحدث تحدث عمليات حذف وإضافة لكلمات وعبارات قد تغير المعاني والمفاهيم . وتتضاعف شدة البعد عن النص الحقيقي بسبب نقل السمع أو خطأ الفهم أو عدم الدقة في التعبير وهي أمور تختلف من شخص إلى آخر بدرجة من الدرجات على نحو ما علمنا في المدرسة الابتدائية ، هذا إذا كانت العبارة الأولى صحيحة ودقيقة التعبير عن الموضوع فكيف إذا كانت العبارة المنقولة معيبة من عدة أوجه منها أنها :
(أ) صادرة في الغالب عن متحمسين بلا وعي .
(ب) واردة في الغالب إلى خصوم متحمسين بوعي ، أو بجهل . ووعيهم في الحقيقة جهل ، وإلا لقادهم إلى صحة الفهم .
عندئذ لابد أن تكون النتيجة هي الانتقال من خطأ إلى خطأ ولا عجب عندئذ إذا جاء الحكم على الدعوة إلى الإسلام من غير المسلمين على أنها :
دعوة إلى إكراه الآخرين على اعتناقه .
دعوة إلى طمس هويات غير المسلمين بالقوة بفرض عبادات المسلمين وقوانينهم وقيمهم وحضارتهم على غيرهم ، وكل ذلك ليس من الإسلام في شئ بل منفي عنه لا بمنطق العقل اجتهادا فحسب بل بمحكم النقل إيماناً صائباً و اعتقاداً واجباً لقوله تعالى لا إكراه في الدين ) وقوله (لست عليهم بمسيطر ) وبصيغة الاستنكار في قوله تعالى ( أفأنت تكره الناس ) وبتأكيد المعبود جل وعلا على استحالة الهداية لمجرد حرص مخلوق عليها لمن يحبه (إنك لا تهدي من أحببت) ولقوله تعالى ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) .
يؤيد ذلك من الناحية العملية الواقعية ما حدث في دولة الإسلام الأولى التى كان على رأسها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان فيها إلى جانب المسلمين نصارى ويهود ومنافقون معلومو النفاق ومشركون مجاهرون . لم تنقل لنا السير أن يد عمر علت على رأس أحدهم لإرغامه على اعتناق الإسلام بل نقلت أن صبر الرسول على أذاهم وبره بهم كان سبباً في هدايتهم واقتناعهم .
لقد عاش مواطنو تلك الدولة المسامون سالمين آمنين رغم إقامتهم واستمرارهم على ديانتهم وكانوا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة والإنسانية كحرية العقيدة والعبادة والعمل ولم يكرهوا على اعتناق أو ترك دين من الأديان . بل إن الإسلام لم يأمر بالقتال إلا عند الضرورة ؛ ضرورة الدفاع عن النفس والحرية والمال والعرض أو ضرورة الدفاع عن النفس والحرية والمال والعرض أو ضرورة الرد على العدوان والظلم ومن ذلك الإخراج من الديار والأموال . أما فيما خلا ذلك فقد دعا الإسلام المسلمين إلى التعايش السلمي مع غيرهم بل دعاهم إلى الإحسان إليهم وربط ذلك بمحبة الله لمن يفعل أو يتعامل بالإحسان إلى كل إنسان مسالم ومحبة الله هي قمة الإيمان . قال الله لمن يفعل أو يتعامل بالإحسان إلى كل إنسان مسالم ومحبة الله هي قمة الإيمان . قال تعالى (لا بنهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة : آية 60) وبمقتضى هذا النص القرآني ليس مباحاً فقط للمسلمين أن يسالموا من يسلمهم من أهل الملل الأخرى بل النص صريح في الخص على إعطاء غير المسلمين من مال المسلمين العام والخاص براً بهم وإحساناً وتأليفاً لقلوبهم وفي ذات الوقت نهى القرآن في نص آخر حصر القرآن أسباب القتال في الظلم حيث جاء (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . وفي نص آخر حصر القرآن أسباب القتال في الظلم حيث قال (لا عدوان إلا على الظالمين ) وحتى عندما يبادر غير المسلمين بقتال المسلمين أو يحاولون إخراجهم من ديارهم نجد أن القرآن يحثهم على قبول السلام فقد قال المولى عز وجل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) هذا حتى إذا كان المعتدون مظنة المخادعة (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) .

إذن حرص المسلم على السلم عبادة لأنه طاعة لأمر الله تعالى . كان ذلك أيام كانت الدول دويلات إلا دولتين لم تشتهرا بالعدل ولم تتظاهرا باحترام الأديان وإكرام الإنسان إن لم تشتهرا بالظلم والإكراه والسخرة والعدوان والصلف والاستكبار كما فعل كسرى حين أصدر أوامره لعامله في جنوب الجزيرة العربية ليرسل من يحضر له النبي الذي ظهر بمكة . لقد كانت القوة هي الشرعية وكان القوي آكل الضعيف أو الفقير إلى درجة أن أباح للإقطاعي امتلاك الأرض ومن عليها من البشر ، أما رأس الدولة وقمة الهرم الذي يشتكي إليه المظلوم فلا سلطان لجهاز رقابي على سلطته ولا شراكة لجهاز تشريعي معه فيما يصدر من تشريعات ولا ما يقرر من قرارات بل وصل الحال درجة أن قال أحد الحكام "أنا الدولة".
مجتمعات كتلك وحكام كأولئك نهى الإسلام المسلمين عن قتالهم إلا أن يبادروا هم بقتال المسلمين ودعا إلى التعايش السلمي معهم والبر بهم بل وقبول الصلح معهم حتى دعوا له و احترمهم الرسول صلى عليه وسلم كما هم عند أنفسهم وعند أقوامهم فخاطبهم بألقابهم حيث قال " إلى هرقل عظيم الروم والمقوقس عظيم القبط وكسرى ملك الفرس " .
فمن أين جاء بعض المتحمسين باسم الإسلام بهذه الروح العدائية الهجومية حتى ألقوا في روع المسلمين وغير المسلمين أن الدعوة إلى الإسلام تعنى الشروع في إكراه ومسخ وسلخ الآخرين من هوياتهم وعقائدهم هذا أو منعهم حقوقاً تقتضيها إنسانيتهم ومواطنتهم بمقتضى تشريع خالق الجميع .
#مكتب_المفكر_الإسلامي_الشيخ_يوسف_حسن
حلقات من كتاب الدين والسياسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق