الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

كتاب الدين والسياسة - اخطاء فهم الإسلام -من هنا تركبت الأخطاء - يوسف حسن



الدين_والسياسة_الحلقة3_من_هنا_تركبــت_الأخطاء

#يوسف_حسن

من هنا تركبــت الأخطاء

من أخطاء الفهم للإسلام وأخطاء تجارب التطبيق ومن سقطات السلوك عند بعض المسلمين رعاة أو رعية حكاماً أو محكومين انطلق دعاة تحكيم الإسلام في بعض الجماعات فزادوا الطين بلة وتنامى الفهم الخاطئ أو الظالم مع التجارب الناقصة فولد جنيناً خداجاً وأخطاء أكثر عدداً وأشج تعقيدا وخلفا هذا الحكم الظالم على الإسلام . وظلت الأخطاء تنمو وتتلقى غذاءها من ممارسات وتجارب جماعات من الإسلاميين حتى تبلورت التجربة في جماعة من أظهر الجماعات الإسلامية في هذا العصر وأعلاها صوتاً استطاعت أن تسطو على الحكم في السودان فتقيم باسم الإسلام دولة جسدت الأخطاء والمخاطر فإذا بالذين كانوا ينتظرون نعيم دولة الإسلام يجدون أنفسهم في جحيم متطاير الحمم .
لم يقف خطر هذه الدولة الدعية عند حدود البلد التي ابتليت بوجود هذه الجماعة فيها جغرافياً فاستغلت مناخ الحرية والديمقراطية لتزرع في نفوس الناس الكراهية للديمقراطية تمهيداً للانقضاض عليها هذا مع مزايدتها في النص على الدفاع عنها لا بالقانون فحسب بل بتضمينه في صلب الدستور . بينما هي في نفس الوقت تحضر وتخطط حتى نفذت مخططها ، بالاستيلاء على السلطة في ليل بهيم فصادرت الحريات ووأدت الديمقراطية فعلت ذلك على حساب الحصانة الدبلوماسية والممارسة الديمقراطية وعلى حسب رصيد السودانيين من الاحترام والإكرام الذي اكتسبوه بحسن خلقهم وقويم سلوكهم عبر القرون حتى استقر خصوصية في العلاقات مع الأشقاء والرفقاء واستثناءً في المعاملات حيثما دعت الظروف والملابسات إلى تعميم التشدد تفتيشاً عن محظورات أو تدقيقاً على الهويات . يشهد بذلك المهاجرون والمغتربون والمسافرون من أهل السودان حيثما حلوا وتشهد بذلك الأمم التي عاشرهم السودانيين ضيوفاً أو عاشرتهم مضيفين فأقرت بأنهم شعب سمح الأخلاق كريم الخلال ، ودود ، مسالم ذو شرف وعفة وأمانة .
لم يكن ذلك مجرد تقاليد إقليمية أو عادات قبلية إنما كان أثراً فعلياً وعملياً لما ورثوه ولقنوه من تعاليم الإسلام وما نشأوا عليه من خلق الإسلام وتربيته وتوجيهاته في سماحة المعاملات وصدق وعفة وكرم ومروءة وشجاعة واحترام لحقوق الآخرين المعنوية والمادية وحرص على أداء الواجبات التي بدونها لا تتم الرجولة فهي من مميزات ومعالم الشخصية السودانية . ولكل ذلك أدلته وشواهده من نصوص القرآن وصحيح السنة ومأثور السير والروايات .
ليس مقبولاً ولا معقولاً من دهاقنة السياسة وحملة الدرجات العلمية العليا ودعاة الموضوعية أن يقعوا في أسر الفهم الخاطئ للفظ مع وضوح المعنى والمضمون ناهيك بأن يكتفوا بالتقويم الانطباعي لدين تخفق به قلوب ما يزيد عن مليار ونصف المليار من البشر وما يزال يتوالى اهتداء العلماء والفلاسفة به وإليه بين كل حين وآخر وليس تحت تأثير ترغيب ولا ترهيب ولكن تحت ضغط الحقائق الموضوعية العقلية والنتائج العملية المعملية ، رغم جهود التكريه والتشويه وعوامل الصراع الجغرافي والحضاري وربما العرقي .

مسيئون من حيث لا يدرون
إن الذين يربطون ما بين جماعة الجبهة القومية الإسلامية (قبل وبعد المفاصلة ) والإسلام فيحاسبون الإسلام بتجربتها ويعادونه بسببها ، هم أنفسهم مسيئون من حيث لا يدرون ، أو يريدون . نعم وإن جهروا بالعداء لها لأنهم بذلك يعينونها على تضليل المسلمين وغير المسلمين ، فبعض المسلمين يكفيهم للتعاطف معها أن أعداءها يعادونها لأنها تنادي بالإسلام وغير المسلمين قد يقبلون هذا التصنيف فيتمنون للإسلام أو لا يتمنون بحسب تقويمهم لهذه الجماعة . وهي لا تطمع في أكثر من الربط الأسمي بينها وبين الإسلام لأن ذلك كاف لتضليل المسلمين خارج السودان أما أهل السودان فقد عرفوا حقيقتها وبعدها عن الإسلام لما رأوا وذاقوا من سياستها وممارسات عضويتها .
إن الإصرار على ربط اسم الجبهة وتجربتها بالإسلام يدر عليها عطفاً وتأيداً شعبياً وسياسياً ودبلوماسياً إن لم يكن داخل السودان فخارجه . ويدر عليها عوناً مادياً سخياً بحجة نصرة دولة الإسلام وتجهيز جيش العسرة . ومن أمثلة ذلك العون المجاني الكبير والإصرار على وصف جماعة الجبهة بأنها تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية وأنها نموذج الإسلام السياسي فهذه خدمة إعلامية ضخمة تفوق خدمة إعلامها العملاق ، خاصة عندما تأتي من الخصوم والأعداء (( والفضل ما شهدت به الأعداء )) وما ذلك إلا لعدم تحري الدقة في الصياغة أو عدم توخي الحقيقة .. هذا إذا لم يكن الأمر مقصوداً لذاته بهدف النيل من الإسلام بسيئات الجبهة وأمثالها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة أو المتحمسة بلاوعي أو خدمتها عمدا أو قصد.
إن عدم التفريق الدقيق ما بين حقائق ومقاصد الجبهة وما بين حقائق ومقاصد الإسلام يقدم للجبهة دعماً أيما دعم خاصة عندما يصدر عمن هم مظنة العداء للإسلام .
فالجبهة في داخلها لتصفق طرباً ورضى عن هؤلاء الذين يربطون بينها وبين الإسلام ، فهي بلسان الحال تلهج بالشكر لهم على ما يقدمونه لها من خدمة وإن كانت مصلحتها في وصفهم بلأعداء . ولعلها لم يغضبها أحد كما أغضبها التصنيف العلمي الدقيق المنصف الذي أعلنته منظمة العفو الدولية حينما وصفت ما تدعو إليه الجبهة الإسلامية وما تتبناه من نهج بأنه نهج إحدى المدارس الإسلامية الفكرية الذي تقابله مدرسة فكرية أخرى تدعو إلى الإسلام المبرأ من الاستبداد والإرهاب والظلم . وإني أخالها استشاطت غضباً وحنقاً عندما دعا الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في شرم الشيخ بمصر عند حضوره مؤتمر صانعي السلام ، دعا إلى عدم الربط بين الإرهاب والإسلام لأن ذلك يفقدها مؤازرة المسلمين .ولكن المصيبة أن بعض مواطني السودان من اليساريين والمسيحيين وغيرهم يصرون على إعتبار فشل التجربة الجبهوية فشلاً للتجربة الإسلامية متجاهلين الأطروحات الإسلامية الأخرى التي تتبناها أحزاب وجماعات معروفة بل منها طرح نهج الصحوة الذي خاض به حزب الأمة الانتخابات بعد إنتفاضة ابريل 1985 م فنال 40% من أصوات الناخبين . رغم أنهم يذكرون ولا ينكرون أن ذلك الطرح نهض بديلاً مقاوماً لنهج التجزئة والتطرف والهوس الذي تبنته الجبهة وجندت لنصرته طاقات كوادرها خطابة وكتابة وإفتاءً وقضاءً وتنفيذاً .
إنها لمصيبة أن يربط متعلمون سياسيون ناشطون سودانيون معاصرون ما بين تجربة الجبهة وما بين الإسلام إلى حد أن يجعلوها نموذجاً للإسلام ، إنها مصيبة لأنهم يريدون بذلك أن يلغوا اجتهاد وجهاد وميراث مسلمي السودان في الاعتدال في التدين ، فيدفعوهم دفعاً إلى التطرف دفاعاً عن بيضة الدين الذي طالما نادوا به وهتفوا بأنه دين ودولة .. وأخشى أن تكون المصيبة عن غرض وسوء استغلال للموقف فإنهم بذلك يظلمون الإسلام الذي يقرون أن الجبهة استغلته وحكمت زوراً باسمه .. ولكم وفقت أحزاب المعارضة السودانية حينما وصفت العلاقة بين الجبهة والإسلام أنها استغلته وزورته ذلك لأن الإسلام حقيقة برئ مما ترتكبه جماعة الجبهة باسمه من ظلم وإذلال للعباد وتدمير وخراب للبلاد وتشويه لمفاهيم الإسلام وقيمه الصحيحة التي يدعو لها ويبشر بها المجددون والمفكرون المسلمون الصحويون في السودان وغيره . ولقد وفق مؤتمر اسمرا للمعارضة السودانية (1995) حينما نص على كفالة حرية الدعوة فقفل بذلك بابا من ابواب الاحتراب وقضى على سبب من أسباب القتال ومهد بذلك لنقلة حضارية تحقق جوا خالياً من الحساسية حيث جاء في الفقرة (4) من مقررات مؤتمر القضايا المثيرية (تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان ).
أقول إن من يعرف الإسلام معرفة حقيقية يعرف أن كل ما ذكر في الفقرة الرابعة المذكورة هو من صميم الإسلام ومآ كد مبادئه السياسية وأهدافه الإجتماعية التي يصون بها مجتمعه ويبني عليها علاقاته فهي فقرة إسلامية مائة بالمائة وإن وفق الله للالتزام بها وتطبيقها فسيكون عائد ذلك خيراً عظيماً أن شاء الله .أما الفقرة الخامسة فقد جاء فيها ما يلي (( يلتزم التجمع بصيانة كرامة المرأة ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان )).
ومهما تخوف البعض أو تحفظ على المواثيق والعهود الدولية فإن عبارة بما لا يتعارض مع الأديان )) التي ختمت بها الفقرة الخاصة بالمرأة قد أزالت كل تخوف أو تحفظ وإن كنت لا أظن أن المقررين قصدوا أن يخصوا المرأة بهذه العبارة دون الرجال وربما رأوا أن ذلك من باب أولى يحكم دعوتهم إلى المساواة وإعترافهم واحترامهم بتعدد الأديان وكريم المعتقدات ، وإن كان كسب المرأة في تفصيل وتحديد حقوقها المتفق عليها ، لأن بعض الأديان والأعراف الوضعية تظلمها إلى حد الطعن في إنسانيتها وإهدار كرامتها .
ولكن المصيبة أن البعض يريد أن يحكم الناس فهمه الخاص ويستخدم بعض النصوص لنصرة أطروحاته السياسية القائمة أصلاً على استبعاد الدين كلياً أو جزئياً ، إن الذين يريدون أن يتجاوزوا مدلولات الكلمات بل يريدون إفراغها من مدلولاتها وإعادة شحنها بأمانيهم وأهوائهم قد نسوا أنهم بذلك يقعون في تناقض ستحسدهم عليه جماعة الجبهة لأن استبعاد الأديان وكريم المعتقدات غير ممكن عملياً وغير صحيح سياسيا ممن أقر مبادئ كالمساواة والحرية . وليس منطقياً من ذي عقل أن يقرر التزامه باحترام الأديان ثم يتصرف فيها بالحذف والتعطيل . إن الذي يفعل ذلك يريد أن يلزم الناس بدين من أختياره لا من وحي الإله وخاصة بالنسبة للإسلام . ولست أدري كيف يكون مثل هذا الفهم بديلا لنظام جماعة الجبهة ولا أجد له تصنيفاً غير أنه دعوة إلى قهر جديد ومحاولة فرض دكتاتورية أقلية أخرى ، وإن اختلفت ثيابها أو بشرتها أو لسانها . فحرية الإنسان في اعتناق الإسلام لا تنفصم ولا تنفصل عن حرية الاحتكام إلى مقتضياته ، إذ ليس الإسلام بترانيم ولا أناشيد ولكنه نظام حياة شامل وكامل لا يقبل التجزئة وإلا عرض المجزئ نفسه إلى وعيد الله تعالى في قوله (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) .
#كتاب_الدين_والسياسة_النشر_الإلكتروني
#مكتب_الشيخ_يوسف_حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق