الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

فرائض الإسلام السياسية - يوسف حسن

فرائض_الإسلام_السياسية
#الحلقة_الاولى
#يوسف_حسن
الكلمات فرائض ونواقض ومبطلات مصطلحات ارتبطت في أذهان عامة المسلمين بل وكثير من خاصتهم بالعبادات وما يتصل بها كالوضوء والصلاة ومعناها باختصار هو أن الفرائض هي ما لا يصح الوضوء إلا به والمبطلات هي ما بحدوثه يبطل . ولأسباب تاريخية معلومة متعلقة بخضوع أمة المسلمين للاستبداد والكبت دهراً طويلاً اقتصر الاجتهاد في مجالات معينة كفقه العبادات وتغافل المجتهدون أو صمتوا وامتنعوا عن التعبير عن الأحكام الإسلامية الخاصة بالسياسة والحكم بل نفر الأكثرون أو نفروا عن ذلك إيثارا للسلامة أو طمعاً في نوال يقل أو يكثر . . بل إن من العلماء من أصدروا الفتاوي المناصرة لحكام زمانهم وهم من تم وصفهم بعلماء السلاطين بل علماء السوء ....
لقد فعلوا ذلك مع أنهم مظنة العلم بقوله صلى الله عليه وسلم " من مشى مع ظالم يعينه على ظلمه سلطه الله عليه "
يمكننا ان نعطي مرادفات ومعاني للكلمات الثلاثة " فرائض ، الإسلام ، السياسة " كمدخل يقربنا من المفهوم الشامل لهذه المصطلحات ودلالاتها . فكلمات مثل ( أمر يأمر ، نهى ينهي ، وليس ب وليس منا وليس المؤمن ، وعليكم ب ، وأياكم و ...) مثلاً هي في معنى فرائض موجبة إذا كانت أوامر ، وفرائض ناهية إذا كانت بمعنى النهي . بمعنى أنها إما أن تفرض فعل الشئ أو تفرض الامتناع عنه وقد تأتي الأحكام بصيغة القاعدة و القانون والحكم وإن شئت مادة دستورية قرآنية ومعلوم أنه عندئذ فليس للمسلم الخيرة – أي ليس له أن يختار سوى ماقضى الله ورسوله ، قال تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " الأحـــزاب 36 .
ذلك لأن معنى الإسلام هو الانقياد لله أي لحكمه الذي هو الدين الذي جاء به محمد صلوات الله وسلامه عليه ويشمل ذلك الأمر بالعدل والنهي عن الظلم مثلما هو مفهوم من الأمر بالصلاة والصوم والزكاة والحج كما يشمل الأمر بأداء الواجبات وصون الحقوق والتزام مكارم الأخلاق واجتناب قبائحها . كالأمر بالصدق والنهي عن الكذب والتنبيه على التزام المبدئية والتنفير من الانتهازية .. وغير ذلك .
هذا معناه أني أدعو إلى استخدام المصطلحات الدينية في التعبير عن الشؤون السياسية والساسة بما يعطيها عمقاً روحياً ويجعلها إما حسنات يتبعها ثواب أو ذنوب وسيئات وآثام تتبعها درجة أو نوع من أنواع العقاب ، معنوياً كان أو مادياً ، عاجلاً أو آجلاً . وأحسب أن هذا ما ينبغي أن يكون المحكومين والرعية أحرص عليه من الحكام خاصة أولئك الذين يحرصون على نسبة حكمهم إلى الإسلام . فيكون العدل طاعة والظلم معصية وتعدي لحدود الله وليس مجرد مخالفة قانونية يستطيع أن يفلت مرتكبها من عقوبتها لأنه ألحن من خصمه في حجته .

أما كلمة سياسة فهي مصطلح يعني إدارة شئون الناس أو اصطلح على تسميته بالحكم وما اشتق منه كحاكم ومحكومين وحكومة وشئون الناس وهي أوجه حياتهم واحتياجاتهم التي قد تتداخل وتتعارض وتقود إلى تنازع وتصارع يؤدي إلى اقتتال وهلاك إذا لم يتوافقوا على قواعد ونظلم واحكام يطبقها عليهم من يختارونه طواعية للقيام بذلك لصفات تزكيه على غيره من منافسيه ويشمل ذلك تنظيم معاملاتهم وعلاقاتهم بما يجعل كلاً منهم يؤدي الواجبات اللازمة منه ومقابل ذلك تصان حقوقه التي منها أن يعامل بالسوية مع الآخر ويكرم ويكون له حق التفكير والتعبير والمشاركة من كل ما يقتضيه العيش في جماعة .
ذلك يعني أن يسود الجماعة ، أو الدولة نظام يتولاه منظم يسمونه حاكماً أو ملكاً أو رئيساً أو شيخاً أو سلطاناً أو غير ذلك ولكن الاختلاف في نوع الحكم هو الذي ينبغي أن يحظى بالاهتمام من جهة نوع الحكم ومن ثم نوع صلاحيات وسلطات الحاكم – فالحكم إما أن يكون شورياً ديمقراطياً والحاكم فيه مقيد برأي الجماعة تشريعياً ومراقبة واحتكاماً ولا يكون ذلك إلا إذا كان الحاكم قد جاء إلى الحكم باختيار الجماعة أو الشعب بالمصطلح الحديث سواء كان بالبيعة أو الانتخابات إذ ليس بينها من فروق تذكر إلا الوسائل والكيفية لأن نص البيعة يقابله البرنامج الانتخابي وتلاوة البيعة معناها الاختيار أو الانتخاب الذي اختصرته الإجراءات الحديثة في وضع رمز من يختاره الناخب .
الأنواع الأخرى من الحكم يمكن جمعها وحصرها بصفة الديكتاتورية أو الشمولية Dictatorship and totalitarianism والحاكم فيها حاكم بأمره مستبد برأيه له مطلق التصرف ومن حوله إن وجدوا فدورهم أن يقولوا له "الأمر إليك والرأي ما رأيت " .
السياسة بحسبانها فن إدارة شئون الناس أو حكمهم تشمل كل ما سموه وزارات من حفظ أم وإجراءات سلام وصوت "وزارة داخلية " وضمان عدالة الحكم " وزارة العدل " وإدارة شئون المال " وزارة المالية " والتجارة والتعدين ، وعلاقات بالآخر " وزارة خارجية " وتعليم وصحة وإرشاد وغيرها . والكلام في ذلك قد يبسطه الوعاظ والمرشدون حينما يكون حديثهم إلى عامة الناس في المساجد أو المناسبات الدينية أو في مجالات المناظرات ولكن كثير من منهم يخرسون وتثقل ألسنتهم ويصعب عليهم الحديث عنا إذا كان في الحضور حاكم خاصة إذا كان مستبداً متغلباً بقوة عتاد أو كثرة عددية لطالما سمعنا المتحدثين يتقعرون في نطق نصوص مثل " ولا تأكلوا أموال الناس بالباطل " – " ولا تبخسوا الناس أِشياءهم " ،" وأوفوا الكيل " ، " وويل للمطففين " عندما يكون الكلام موجها ً للعامة وإن كان حضوره التجارة وبعض عامة المسئولين ولكنهم لا يقولون الشئ نفسه للرئيس أو الملك وإن شاع وذاع تعديه على المال الخاص مصادرة أو المال العام اختلاساً أو من حيازة أو اعطاء بقرارٍ أو بدونه على طريقة وأمره له أو أكثر .
أجدني أميل لأن الكثيرين يفعلون ذلك لا بسبب خطأ في الفهم أو قصور في الاعتقاد من النوع الذي قد يوصف بالانكفاء أو التجزيئي أو التبعيض ولكن بسبب الخوف من وخزه ذي الشوكة أو الحرمان من نواله وشوك بعض الحكام قاتل والحرمان لا يصبر عليه كثير من الناس .مكتب المفكر الإسلامي الشيخ يوسف حسن

كتاب الدين والسياسة - الشريعة المنصفة - يوسف حسن

الحلقة_الرابعة_نشر_إلكتروني
#كتاب_الدين_والسياسة
---------------#ليس_لغير_المسلمين_مفقود_يطلبونه -----------
*إذا التقى مسلم وغير مسلم في جوار أو ضمتهما دولة ملتزمة بصحيح الإسلام فلن يضطر غير المسلم إلى المطالبة بحق ، لأن حقوقه كلها مقررة سلفاً في صلب الدين ... ولا يكتمل دين المسلم إلا بتوفير حقوق غير المسلم وصونها ، فذلك ما جاءت به النصوص في الكتاب والسنة وما أثبتته التجربة ، حيثما قامت دولة إسلامية حتى تلك التي ابتعدت عن الإسلام أو خالفت أحكامه في شئون المسلمين أنفسهم . ومن تلك الحقوق التي أثبتها الإسلام لكل الناس وكل إنسان بصرف النظر عن دينه أو لونه أو عرقه الحقوق التالية :
*الحرية : في الرأي والاعتقاد والعبادة والعمل والملك والانتماء . دلت على ذلك نصوص مثل قول الله تعالى (( لا إكراه في الدين )) وقله جل وعلا (( لست عليهم بمسيطر )) .
*المساواة :فمن حيث الأصل " كلكم لآدم وآدم من تراب "ومن حيث العمل " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ومن حيث الدين " لكم دينكم ولي دين " ومن حيث الجنس " النساء شقائق الرجال" .
*العدل : سمة الحكم الواحة في الإسلام وواجب الحاكم وشرط صحة حكمه. قال تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) . وقال : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )) وقال جل من قائل (( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )) .
إن العدل في الإسلام هو أن ينصف كل مظلوم وضعي حتى ليقف امير المؤمنين جنبا إلى جنب مع خصمه مسلماً كان أو غير مسلم أمام القاضي ويرضى بالحكم وينفذه ،وإن جاء خطأ لصالح خصمه مع علمه أنه صاحب الحق كما جاء في قصة درع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه التي نازعه فيها اليهودي قاضي الإسلام يحكم له بالدرع حسب مقتضى القضية والإثبات ونظر إلى أمير المؤمنين وصاحب الدرع يرضي الحكم وينفذه أيقن اليهودي أن هذا الدين حق وأعلن إسلامه .
لقد اعتبر الإسلام العدل هدف كل الرسالات إذ قال الله تعالى (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )) .
من قواعد الحكم في الإسلام أن جعل الأمر أمر الناس وليس أمر القيصر .. فقرر في القرآن الكريم من صفات المسلمين (( وأمرهم شورى بينهم )) ليجعل بذلك المشاركة والشورى في الأمر حق المحكومين كما جعلها واجب الحاكم حين قال تعالى لنبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم ((وشاورهم في الأمر)) . وجعل مبتدأ الأمر بين الحاكم والمواطنين البيعة أي عهد يقطعه المواطنون للحاكم بناءاً على برنامجه يتضمنه نص البيعة ..ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً فعوقب به الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله ، فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه .
ولعلنا نلاحظ بوضوح في هذا النص ما يلي :
1- الابتداء بالعلاقة بين العبد وربه وهي أساس الإسلام .
2- تقديم وتفضيل جهاد النفس ومعالجة عيوبها .
3- النص على الانتهاء عن البهتان والافتراء حماية للفرد والمجتمع .
4- ربط الطاعة للحاكم بأمره بالمعروف .
5- بيان حرص الإسلام على ستر المستور صوناً لأعراض الناس وسمعتهم عن أن تهتك مما ينسجم مع تحريم التجسس ومنع تتبع عورات الناس ، ويبرئ الإسلام من اجتراء البعض باسم الإسلام على أعراض الناس والتسبب في إيقاع العقاب بهم بمجرد الشبهات مع أن الإسلام جعل الشبهة سبباً لدرء العقوبة كما في قول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : "ادرءوا الحدود بالشبهات" وجعل الاتهام بلا إثبات جريمة حدية .
هذا في ابتداء الأمر أما في استمراره فالنصيحة هي واجب المواطنين مع حاكمهم ، كما هي حق كل مسلم على أخيه المسلم .. قال صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " . وجاء في بعض الصيف " نعاهدك على السمع والطاعة في المنشط والمكره والنصيحة لك " وفي القرآن الكريم سورة جعلت الخسران خط كل إنسان لم يتصف بصفات أربع : (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصلوا بالحق وتواصوا بالصبر )) .
لذلك حرص السلف الصالح على النصيحة والتواصي بالحق فقال أبوبكر " أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " . وقال عمر بن الخطاب " فإن أخطأت فقوموني " فقال أحدهم " نقومك بسيوفنا " فحمد الله أن في رعيته من يقول ذك .. وقال حاضاً الرعية على قول الحق والتواصي به والقيام بواجب النصيحة " لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا (الحكام) إن لم نسمعها".
إن ما يجده من حق في الشورى والمشاركة في شئون الحكم في ظل دولة الإسلام أعمق وأقوى وأصدق مما يجده في أرقى الأنظمة الديمقراطية الوضعية لأن الإسلام لا يتيح الفرص للرأي الآخر فحسب بل يبحث عنه ويصر على سماعه في أمان وضمان من أن يتعرض قائلة إلى ضغط أو إغراء . فهكذا طبقها رسول الله صلى الله وسلم . أما الخلاف الذي يدور حول المصطلح فإن قبل المسلمون بمصطلح الديمقراطية مرادفاً أو بديلاً لمصطلح الشورى خروجاً من الخلاف فليس في ذلك خروجاً عن الدين أو مخالفة بل الجوهر المطلوب ، والهدف المقصود يتحقق بأن يحسن المنادون بأي من المصطلحين تطبيقه بصدق وإخلاص فعند ذلك تصير الديمقراطية هي الشورى نفسها .
وإن لم يصل الناس ذلك المستوى وطبقت الديمقراطية بأساليبها الممارسة من إغراء واستعطاف ودعاية فقد طبقوا استطاعة المجتمع الحاضر في فهم أو احتمال مقاصد المصطلح ، ورضوا بالأقل الأدنى ولا بأس بذلك ريثما يرقي المجتمع إلى مستوى نهج الشورى الحقيقة فهما ونضجاً وتقي ، وقدرة على التطبيق .
إن الشورى أو الديمقراطية كلاهما يعني الاعتراف بالرأي الآخر أي التعددية في الرأي ، وبالتالي قبول تعدد وسائل ومواثيق تطبيق وممارسة الآراء والأفكار ، أي قبول تعدد التنظيمات والأحزاب .. وقد مهد الإسلام كما يقول الأستاذ فهمي هويدي للتعددية " بأن جعل احترام الآخر ومساواته والاعتراف بحقه في العدل من متطلبات التسليم بالمشيئة الإلهية واحترام سنن الله في الكون ".
#مكتب_المفكر_الإسلامي_يوسف_حسن

كتاب الدين والسياسة - اخطاء فهم الإسلام -من هنا تركبت الأخطاء - يوسف حسن



الدين_والسياسة_الحلقة3_من_هنا_تركبــت_الأخطاء

#يوسف_حسن

من هنا تركبــت الأخطاء

من أخطاء الفهم للإسلام وأخطاء تجارب التطبيق ومن سقطات السلوك عند بعض المسلمين رعاة أو رعية حكاماً أو محكومين انطلق دعاة تحكيم الإسلام في بعض الجماعات فزادوا الطين بلة وتنامى الفهم الخاطئ أو الظالم مع التجارب الناقصة فولد جنيناً خداجاً وأخطاء أكثر عدداً وأشج تعقيدا وخلفا هذا الحكم الظالم على الإسلام . وظلت الأخطاء تنمو وتتلقى غذاءها من ممارسات وتجارب جماعات من الإسلاميين حتى تبلورت التجربة في جماعة من أظهر الجماعات الإسلامية في هذا العصر وأعلاها صوتاً استطاعت أن تسطو على الحكم في السودان فتقيم باسم الإسلام دولة جسدت الأخطاء والمخاطر فإذا بالذين كانوا ينتظرون نعيم دولة الإسلام يجدون أنفسهم في جحيم متطاير الحمم .
لم يقف خطر هذه الدولة الدعية عند حدود البلد التي ابتليت بوجود هذه الجماعة فيها جغرافياً فاستغلت مناخ الحرية والديمقراطية لتزرع في نفوس الناس الكراهية للديمقراطية تمهيداً للانقضاض عليها هذا مع مزايدتها في النص على الدفاع عنها لا بالقانون فحسب بل بتضمينه في صلب الدستور . بينما هي في نفس الوقت تحضر وتخطط حتى نفذت مخططها ، بالاستيلاء على السلطة في ليل بهيم فصادرت الحريات ووأدت الديمقراطية فعلت ذلك على حساب الحصانة الدبلوماسية والممارسة الديمقراطية وعلى حسب رصيد السودانيين من الاحترام والإكرام الذي اكتسبوه بحسن خلقهم وقويم سلوكهم عبر القرون حتى استقر خصوصية في العلاقات مع الأشقاء والرفقاء واستثناءً في المعاملات حيثما دعت الظروف والملابسات إلى تعميم التشدد تفتيشاً عن محظورات أو تدقيقاً على الهويات . يشهد بذلك المهاجرون والمغتربون والمسافرون من أهل السودان حيثما حلوا وتشهد بذلك الأمم التي عاشرهم السودانيين ضيوفاً أو عاشرتهم مضيفين فأقرت بأنهم شعب سمح الأخلاق كريم الخلال ، ودود ، مسالم ذو شرف وعفة وأمانة .
لم يكن ذلك مجرد تقاليد إقليمية أو عادات قبلية إنما كان أثراً فعلياً وعملياً لما ورثوه ولقنوه من تعاليم الإسلام وما نشأوا عليه من خلق الإسلام وتربيته وتوجيهاته في سماحة المعاملات وصدق وعفة وكرم ومروءة وشجاعة واحترام لحقوق الآخرين المعنوية والمادية وحرص على أداء الواجبات التي بدونها لا تتم الرجولة فهي من مميزات ومعالم الشخصية السودانية . ولكل ذلك أدلته وشواهده من نصوص القرآن وصحيح السنة ومأثور السير والروايات .
ليس مقبولاً ولا معقولاً من دهاقنة السياسة وحملة الدرجات العلمية العليا ودعاة الموضوعية أن يقعوا في أسر الفهم الخاطئ للفظ مع وضوح المعنى والمضمون ناهيك بأن يكتفوا بالتقويم الانطباعي لدين تخفق به قلوب ما يزيد عن مليار ونصف المليار من البشر وما يزال يتوالى اهتداء العلماء والفلاسفة به وإليه بين كل حين وآخر وليس تحت تأثير ترغيب ولا ترهيب ولكن تحت ضغط الحقائق الموضوعية العقلية والنتائج العملية المعملية ، رغم جهود التكريه والتشويه وعوامل الصراع الجغرافي والحضاري وربما العرقي .

مسيئون من حيث لا يدرون
إن الذين يربطون ما بين جماعة الجبهة القومية الإسلامية (قبل وبعد المفاصلة ) والإسلام فيحاسبون الإسلام بتجربتها ويعادونه بسببها ، هم أنفسهم مسيئون من حيث لا يدرون ، أو يريدون . نعم وإن جهروا بالعداء لها لأنهم بذلك يعينونها على تضليل المسلمين وغير المسلمين ، فبعض المسلمين يكفيهم للتعاطف معها أن أعداءها يعادونها لأنها تنادي بالإسلام وغير المسلمين قد يقبلون هذا التصنيف فيتمنون للإسلام أو لا يتمنون بحسب تقويمهم لهذه الجماعة . وهي لا تطمع في أكثر من الربط الأسمي بينها وبين الإسلام لأن ذلك كاف لتضليل المسلمين خارج السودان أما أهل السودان فقد عرفوا حقيقتها وبعدها عن الإسلام لما رأوا وذاقوا من سياستها وممارسات عضويتها .
إن الإصرار على ربط اسم الجبهة وتجربتها بالإسلام يدر عليها عطفاً وتأيداً شعبياً وسياسياً ودبلوماسياً إن لم يكن داخل السودان فخارجه . ويدر عليها عوناً مادياً سخياً بحجة نصرة دولة الإسلام وتجهيز جيش العسرة . ومن أمثلة ذلك العون المجاني الكبير والإصرار على وصف جماعة الجبهة بأنها تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية وأنها نموذج الإسلام السياسي فهذه خدمة إعلامية ضخمة تفوق خدمة إعلامها العملاق ، خاصة عندما تأتي من الخصوم والأعداء (( والفضل ما شهدت به الأعداء )) وما ذلك إلا لعدم تحري الدقة في الصياغة أو عدم توخي الحقيقة .. هذا إذا لم يكن الأمر مقصوداً لذاته بهدف النيل من الإسلام بسيئات الجبهة وأمثالها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة أو المتحمسة بلاوعي أو خدمتها عمدا أو قصد.
إن عدم التفريق الدقيق ما بين حقائق ومقاصد الجبهة وما بين حقائق ومقاصد الإسلام يقدم للجبهة دعماً أيما دعم خاصة عندما يصدر عمن هم مظنة العداء للإسلام .
فالجبهة في داخلها لتصفق طرباً ورضى عن هؤلاء الذين يربطون بينها وبين الإسلام ، فهي بلسان الحال تلهج بالشكر لهم على ما يقدمونه لها من خدمة وإن كانت مصلحتها في وصفهم بلأعداء . ولعلها لم يغضبها أحد كما أغضبها التصنيف العلمي الدقيق المنصف الذي أعلنته منظمة العفو الدولية حينما وصفت ما تدعو إليه الجبهة الإسلامية وما تتبناه من نهج بأنه نهج إحدى المدارس الإسلامية الفكرية الذي تقابله مدرسة فكرية أخرى تدعو إلى الإسلام المبرأ من الاستبداد والإرهاب والظلم . وإني أخالها استشاطت غضباً وحنقاً عندما دعا الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في شرم الشيخ بمصر عند حضوره مؤتمر صانعي السلام ، دعا إلى عدم الربط بين الإرهاب والإسلام لأن ذلك يفقدها مؤازرة المسلمين .ولكن المصيبة أن بعض مواطني السودان من اليساريين والمسيحيين وغيرهم يصرون على إعتبار فشل التجربة الجبهوية فشلاً للتجربة الإسلامية متجاهلين الأطروحات الإسلامية الأخرى التي تتبناها أحزاب وجماعات معروفة بل منها طرح نهج الصحوة الذي خاض به حزب الأمة الانتخابات بعد إنتفاضة ابريل 1985 م فنال 40% من أصوات الناخبين . رغم أنهم يذكرون ولا ينكرون أن ذلك الطرح نهض بديلاً مقاوماً لنهج التجزئة والتطرف والهوس الذي تبنته الجبهة وجندت لنصرته طاقات كوادرها خطابة وكتابة وإفتاءً وقضاءً وتنفيذاً .
إنها لمصيبة أن يربط متعلمون سياسيون ناشطون سودانيون معاصرون ما بين تجربة الجبهة وما بين الإسلام إلى حد أن يجعلوها نموذجاً للإسلام ، إنها مصيبة لأنهم يريدون بذلك أن يلغوا اجتهاد وجهاد وميراث مسلمي السودان في الاعتدال في التدين ، فيدفعوهم دفعاً إلى التطرف دفاعاً عن بيضة الدين الذي طالما نادوا به وهتفوا بأنه دين ودولة .. وأخشى أن تكون المصيبة عن غرض وسوء استغلال للموقف فإنهم بذلك يظلمون الإسلام الذي يقرون أن الجبهة استغلته وحكمت زوراً باسمه .. ولكم وفقت أحزاب المعارضة السودانية حينما وصفت العلاقة بين الجبهة والإسلام أنها استغلته وزورته ذلك لأن الإسلام حقيقة برئ مما ترتكبه جماعة الجبهة باسمه من ظلم وإذلال للعباد وتدمير وخراب للبلاد وتشويه لمفاهيم الإسلام وقيمه الصحيحة التي يدعو لها ويبشر بها المجددون والمفكرون المسلمون الصحويون في السودان وغيره . ولقد وفق مؤتمر اسمرا للمعارضة السودانية (1995) حينما نص على كفالة حرية الدعوة فقفل بذلك بابا من ابواب الاحتراب وقضى على سبب من أسباب القتال ومهد بذلك لنقلة حضارية تحقق جوا خالياً من الحساسية حيث جاء في الفقرة (4) من مقررات مؤتمر القضايا المثيرية (تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان ).
أقول إن من يعرف الإسلام معرفة حقيقية يعرف أن كل ما ذكر في الفقرة الرابعة المذكورة هو من صميم الإسلام ومآ كد مبادئه السياسية وأهدافه الإجتماعية التي يصون بها مجتمعه ويبني عليها علاقاته فهي فقرة إسلامية مائة بالمائة وإن وفق الله للالتزام بها وتطبيقها فسيكون عائد ذلك خيراً عظيماً أن شاء الله .أما الفقرة الخامسة فقد جاء فيها ما يلي (( يلتزم التجمع بصيانة كرامة المرأة ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان )).
ومهما تخوف البعض أو تحفظ على المواثيق والعهود الدولية فإن عبارة بما لا يتعارض مع الأديان )) التي ختمت بها الفقرة الخاصة بالمرأة قد أزالت كل تخوف أو تحفظ وإن كنت لا أظن أن المقررين قصدوا أن يخصوا المرأة بهذه العبارة دون الرجال وربما رأوا أن ذلك من باب أولى يحكم دعوتهم إلى المساواة وإعترافهم واحترامهم بتعدد الأديان وكريم المعتقدات ، وإن كان كسب المرأة في تفصيل وتحديد حقوقها المتفق عليها ، لأن بعض الأديان والأعراف الوضعية تظلمها إلى حد الطعن في إنسانيتها وإهدار كرامتها .
ولكن المصيبة أن البعض يريد أن يحكم الناس فهمه الخاص ويستخدم بعض النصوص لنصرة أطروحاته السياسية القائمة أصلاً على استبعاد الدين كلياً أو جزئياً ، إن الذين يريدون أن يتجاوزوا مدلولات الكلمات بل يريدون إفراغها من مدلولاتها وإعادة شحنها بأمانيهم وأهوائهم قد نسوا أنهم بذلك يقعون في تناقض ستحسدهم عليه جماعة الجبهة لأن استبعاد الأديان وكريم المعتقدات غير ممكن عملياً وغير صحيح سياسيا ممن أقر مبادئ كالمساواة والحرية . وليس منطقياً من ذي عقل أن يقرر التزامه باحترام الأديان ثم يتصرف فيها بالحذف والتعطيل . إن الذي يفعل ذلك يريد أن يلزم الناس بدين من أختياره لا من وحي الإله وخاصة بالنسبة للإسلام . ولست أدري كيف يكون مثل هذا الفهم بديلا لنظام جماعة الجبهة ولا أجد له تصنيفاً غير أنه دعوة إلى قهر جديد ومحاولة فرض دكتاتورية أقلية أخرى ، وإن اختلفت ثيابها أو بشرتها أو لسانها . فحرية الإنسان في اعتناق الإسلام لا تنفصم ولا تنفصل عن حرية الاحتكام إلى مقتضياته ، إذ ليس الإسلام بترانيم ولا أناشيد ولكنه نظام حياة شامل وكامل لا يقبل التجزئة وإلا عرض المجزئ نفسه إلى وعيد الله تعالى في قوله (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) .
#كتاب_الدين_والسياسة_النشر_الإلكتروني
#مكتب_الشيخ_يوسف_حسن

كتاب الدين والسياسة - يوسف حسن

#الدين_والسياسة
#يوسف_حسن
الحلقة الثانية #قصور_الاستيعاب_أم_ضعف_الالتزام :

*يشق على المرء أن يتهم بعض القادة المثقفين بقصور الاستيعاب أو ضعف الالتزام وهم من هم على قمة الثقافة والمعرفة ومقدمة الركب بزعمهم وزعم غيرهم وبواقع الحال .
ولكن ماذا نقول أمام نتائج استيعابهم وأعمالهم بل خلاصات أقوالهم التي بلغ وضوح الضعف والخطأ فيها من الوضوح ما يبلغه الملموس والمرئي والمسموع فهم فعلا في القيادة ولكن السفينة أو في القبطان أو كلاهما .. وكلاهما مسؤولية القبطان.
وبالنسبة لموضوع الديمقراطية فقد رأينا وسنرى أنه لا يوجد تعارض بينها وبين الدين وخاصة الإسلامي ، وأنها موجودة في الإسلام بقدر أدق وأعمق وأصدق إن جاز أن تقدر بقدر أو تقاس بمقياس . وسنرى أنه لا غضاضة أن تسمى ديمقراطية أو شورى .
يبدو أن أكثر المدافعين عن الإسلام والمنادين بالديمقراطية لم يتوافروا على دراسة الأمرين ، بل دراسة الأمر الواحد فيهما ناهيك بأن يفحصوهما بحثاً عن نقاط الالتقاء والتطابق ومقاطع الاختلاف والتباين . ومن فعل شيئاً من ذلك فربما كان على عجلة من أمره فاكتفى بما تيسر والتقط السهل الخفيف من الحجج لزوم السفسطة والجدل .
إن هناك ما يدعو إلى شك في فهم وجدية أو قناعة بعض القادة والمثقفين متحزبين ومتسلقين بما يدعون له أو ضده من إسلام أو علمانية أو غيرهما . وهناك اتهام لبعضهم يجد ما يسنده من الأدلة ، يقول الاتهام بأن هذا البعض من المثقفين يخوض المعركة بغير سلاحها ومن أبراج الاستعلاء والاستكبار الصفوي والدليل ما يدور في الجلسات الخاصة من أحاديث وما يقع فيها من أفعال وممارسات غارقة في شهوانية التسلط والتميز والاستعلاء ، حتى في الممارسة الديمقراطية تصر بعض الفئات على أن تميز نفسها عن عامة الناس بحق انتخابي أكثر كماً وأعلى نوعاً ودرجةً ، بحجة المهنة والدرجة العلمية ، خريجون وقوة حديثة ..! هذه الطبقة من الصفوة تمارس التأثير على الرأي العام من قريب ومن بعيد حتى حينما تختار لنفسها الاسترخاء في مقعد الحياد والاستقلالية أو اعتزال السياسة والتظاهر بالبعد عنها . فهم أصحاب وأقارب القادة والسياسيين ينالون بصحبتهم وقربهم ما يشتهون من مناصب ومكاسب ولا يكلفهم ذلك أكثر من إظهار الميل للحزب أو الاهتمام ولو مرة مقصودة بشأن سياسي والتعبير عن رأي مطابق أو مقارب لرأي الحزب المقصود . بل تؤثر هذه الطبقة في توجيه الرأي العام بمجرد أن تعبر عفواً أو بغير اكتراث عن عدم اعترافها أو خضوعها لحكومة فلان أو الفلانيين رغم اعترافهم بأنها حكومة منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً وفق النظام الديمقراطي الذي لا تفوتهم لحظة في التعبير عن المناداة به إن غاب والدعوة إلى الحفاظ عليه إن قام ، هذا على الرغم من أن كل إجراءات الديمقراطية يقوم بها هؤلاء الصفويون . بدءاً من قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر كماً ونوعاً إلى تسجيل الناخبين ووضع جداول الانتخابات وتنفيذها حتى آخر مراحلها .
هذه علل قاتلة ؛ علل السلبية المؤثرة والتزييف المستمر وقصور الاستيعاب والفهم وضعف الالتزام بالمبادئ وضعف الجدية عند التنفيذ والممارسة . علل وعيوب تعاب على العامة دعك من القادة والمثقفين . ومالم تعالج هذه العلل فإن جسم المجتمع سيستمر في هزاله ، وهياكل أنظمته ستستمر في تحللها وتخلخلها ولن تعالج ذلك المسكنات الوقتية والمسميات المفرغة والخطب الدونكوشوتية .
وبعد فإن ما أريد أن أقوله خلال هذه الصفحات هو أن حقيقة الموضوعية والعلم أن يعرف الإنسان طريق السعادة ، والأكمل أن يكشف طريقاً خالياً من المطبات والعوائق يخرج منه سعيداً سليماً في الدارين ، وأن ما يقرره الإسلام من حقوق وما يوجبه من واجبات هو ما لابد منه لسعادة كل إنسان سواء اعتنق ذلك الإنسان الإسلام أم لم يعتنقه . وأن ما يحرمه ويمنعه هو ما بعدمه تصح الأجسام وتسلم العقول وتحفظ الأموال والنسل وتصان الكرامة ويسلم المجتمع فيسعد كل من فيه بصرف النظر عن نوع دينه أو اعتقاده .
وأن العقوبات ما هي إلا عصا غليظة ترفع في وجه المسلم الذي يريد أن يضر نفسه أو عيره في نسله أو نفسه أو عقله أو ماله أو عرضه أو كرامته وهي تقع فقط على المجرم المصر المستهتر وليس المخطئ بجهل أو سهو أو اشتباه ولا المستتر ببليته عن العيون أو من دفعته إليها ضرورة.

حقائق الإسلام بين أخطاء الممارسة والفهم وأغراض الخصوم

كما أن كثرة الكلام عن الشئ تعني شدة حبه عند من يحبه ، فهي قد تؤدي إلى ذهاب هيبته عند الطرف الآخر من ناحية أو إلى شيوع الفهم الخاطئ بزيادة طردية مع عدد من يتبادل الحديث في الموضوع وعدد مرات التبادل . ففي كل مرة ومن كل متحدث تحدث عمليات حذف وإضافة لكلمات وعبارات قد تغير المعاني والمفاهيم . وتتضاعف شدة البعد عن النص الحقيقي بسبب نقل السمع أو خطأ الفهم أو عدم الدقة في التعبير وهي أمور تختلف من شخص إلى آخر بدرجة من الدرجات على نحو ما علمنا في المدرسة الابتدائية ، هذا إذا كانت العبارة الأولى صحيحة ودقيقة التعبير عن الموضوع فكيف إذا كانت العبارة المنقولة معيبة من عدة أوجه منها أنها :
(أ) صادرة في الغالب عن متحمسين بلا وعي .
(ب) واردة في الغالب إلى خصوم متحمسين بوعي ، أو بجهل . ووعيهم في الحقيقة جهل ، وإلا لقادهم إلى صحة الفهم .
عندئذ لابد أن تكون النتيجة هي الانتقال من خطأ إلى خطأ ولا عجب عندئذ إذا جاء الحكم على الدعوة إلى الإسلام من غير المسلمين على أنها :
دعوة إلى إكراه الآخرين على اعتناقه .
دعوة إلى طمس هويات غير المسلمين بالقوة بفرض عبادات المسلمين وقوانينهم وقيمهم وحضارتهم على غيرهم ، وكل ذلك ليس من الإسلام في شئ بل منفي عنه لا بمنطق العقل اجتهادا فحسب بل بمحكم النقل إيماناً صائباً و اعتقاداً واجباً لقوله تعالى لا إكراه في الدين ) وقوله (لست عليهم بمسيطر ) وبصيغة الاستنكار في قوله تعالى ( أفأنت تكره الناس ) وبتأكيد المعبود جل وعلا على استحالة الهداية لمجرد حرص مخلوق عليها لمن يحبه (إنك لا تهدي من أحببت) ولقوله تعالى ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) .
يؤيد ذلك من الناحية العملية الواقعية ما حدث في دولة الإسلام الأولى التى كان على رأسها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان فيها إلى جانب المسلمين نصارى ويهود ومنافقون معلومو النفاق ومشركون مجاهرون . لم تنقل لنا السير أن يد عمر علت على رأس أحدهم لإرغامه على اعتناق الإسلام بل نقلت أن صبر الرسول على أذاهم وبره بهم كان سبباً في هدايتهم واقتناعهم .
لقد عاش مواطنو تلك الدولة المسامون سالمين آمنين رغم إقامتهم واستمرارهم على ديانتهم وكانوا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة والإنسانية كحرية العقيدة والعبادة والعمل ولم يكرهوا على اعتناق أو ترك دين من الأديان . بل إن الإسلام لم يأمر بالقتال إلا عند الضرورة ؛ ضرورة الدفاع عن النفس والحرية والمال والعرض أو ضرورة الدفاع عن النفس والحرية والمال والعرض أو ضرورة الرد على العدوان والظلم ومن ذلك الإخراج من الديار والأموال . أما فيما خلا ذلك فقد دعا الإسلام المسلمين إلى التعايش السلمي مع غيرهم بل دعاهم إلى الإحسان إليهم وربط ذلك بمحبة الله لمن يفعل أو يتعامل بالإحسان إلى كل إنسان مسالم ومحبة الله هي قمة الإيمان . قال الله لمن يفعل أو يتعامل بالإحسان إلى كل إنسان مسالم ومحبة الله هي قمة الإيمان . قال تعالى (لا بنهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة : آية 60) وبمقتضى هذا النص القرآني ليس مباحاً فقط للمسلمين أن يسالموا من يسلمهم من أهل الملل الأخرى بل النص صريح في الخص على إعطاء غير المسلمين من مال المسلمين العام والخاص براً بهم وإحساناً وتأليفاً لقلوبهم وفي ذات الوقت نهى القرآن في نص آخر حصر القرآن أسباب القتال في الظلم حيث جاء (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . وفي نص آخر حصر القرآن أسباب القتال في الظلم حيث قال (لا عدوان إلا على الظالمين ) وحتى عندما يبادر غير المسلمين بقتال المسلمين أو يحاولون إخراجهم من ديارهم نجد أن القرآن يحثهم على قبول السلام فقد قال المولى عز وجل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) هذا حتى إذا كان المعتدون مظنة المخادعة (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) .

إذن حرص المسلم على السلم عبادة لأنه طاعة لأمر الله تعالى . كان ذلك أيام كانت الدول دويلات إلا دولتين لم تشتهرا بالعدل ولم تتظاهرا باحترام الأديان وإكرام الإنسان إن لم تشتهرا بالظلم والإكراه والسخرة والعدوان والصلف والاستكبار كما فعل كسرى حين أصدر أوامره لعامله في جنوب الجزيرة العربية ليرسل من يحضر له النبي الذي ظهر بمكة . لقد كانت القوة هي الشرعية وكان القوي آكل الضعيف أو الفقير إلى درجة أن أباح للإقطاعي امتلاك الأرض ومن عليها من البشر ، أما رأس الدولة وقمة الهرم الذي يشتكي إليه المظلوم فلا سلطان لجهاز رقابي على سلطته ولا شراكة لجهاز تشريعي معه فيما يصدر من تشريعات ولا ما يقرر من قرارات بل وصل الحال درجة أن قال أحد الحكام "أنا الدولة".
مجتمعات كتلك وحكام كأولئك نهى الإسلام المسلمين عن قتالهم إلا أن يبادروا هم بقتال المسلمين ودعا إلى التعايش السلمي معهم والبر بهم بل وقبول الصلح معهم حتى دعوا له و احترمهم الرسول صلى عليه وسلم كما هم عند أنفسهم وعند أقوامهم فخاطبهم بألقابهم حيث قال " إلى هرقل عظيم الروم والمقوقس عظيم القبط وكسرى ملك الفرس " .
فمن أين جاء بعض المتحمسين باسم الإسلام بهذه الروح العدائية الهجومية حتى ألقوا في روع المسلمين وغير المسلمين أن الدعوة إلى الإسلام تعنى الشروع في إكراه ومسخ وسلخ الآخرين من هوياتهم وعقائدهم هذا أو منعهم حقوقاً تقتضيها إنسانيتهم ومواطنتهم بمقتضى تشريع خالق الجميع .
#مكتب_المفكر_الإسلامي_الشيخ_يوسف_حسن
حلقات من كتاب الدين والسياسة

دعـــاة رساليون -يوسف حسن

إن اقصر طريق تدخل به الدعوة الى القلوب هو أن تكون مقنعة للعقل بقول سديد وبلاغ مبين عمل أن يكون الدليل العملي عليه فعل يطابقه . عندئذٍ يمكننا – معشر المسلمين أن نقابل حديثهم الحريات والعدل والمســاواة وحقوق وكرامة الإنسان بقول من أسانيده نصوص مقدسة ومحكمة وتجــارب مثبتة لا يدانيها الشك ولا التشكيك .

دعــاة رساليون -يوسف حسن

كتاب الدين والسياسة - يوسف حسن



الدين والسياسة

يوسف حسن

================حلقات من كتاب الدين والسياسة - يوسف حسن =================


حقائق الإسلام الساطعة التي اهتدى بها الأميون واتحد البدو المتفرقون وتحابب الأقربون والأبعدون المتقاتلون ، جني ثمارها كل أولئك عزاً ومجداً وكرامة وسمواً وقدرة بالحق ضد الباطل وبالعدل على الظلم وبالحرية على الاستبداد وبالمساواة على الميز وبالإيثار على الأثرة وبالحب على البغض ، فدعوا إليها بأخلاقهم الفاضلة وسلوكهم الحميد منذ انتهوا عما نهتهم عنه وامتثلوا ما أمرتهم به فحققوا السعادة لأنفسهم ولغيرهم حينا من الدهر .

بتلك الحقائق الساطعة نظرياً وبذلك التطبيق الدقيق عمليا عز السلف وافتخر الخلف من المسلمين واعترف وشهد من عاصر التطبيق الدقيق أو درس النصوص وفحص التاريخ مخلصاً .
ثم مرت قرون وحقب غلب فيها وحكم باسم الإسلام من غلب وحكم ، حكماً غاشماً وملكاً عضوضاً – كانت بيعته قهراً وقسراً بعد أن لوح الغالب بسيفه الملطخ بدم الشورى الذبيحة – ولا عدل ولا حرية ولا مساواة ولا كرامة ولا حرمة لمال ولا دم ولا عرض ولا حق ولا نصح في حكم يبدأ بإعدام الشورى ويحمى نفسه بحد السيف كالذي حدث في السودان هذه من حقائق جور الحكم باسم الإسلام التى نبأ بها القرآن وتنبأ بها رسول الإسلام ولا تحتاج من ذي العقل السليم لكثير اجتهاد لينفي نسبتها إلى الإسلام طالما أن حقائق النظرية محفوظة مصونة عن التحريف وتجارب تطبيقه السليم لم يختلف حولها الخصوم ، بل أبلغ أدلة الاعتراف بصحتها وتفوقها أن من يدعو لسواها يرمى خصومه بادعائها وسوء استغلالها .
هذه الحقائق يريد بعض الناس أن يلفها بخرق المسيئين فيرمي بها خارج سور حياتنا .
فهل تلك حقيقة وهل ذلك ممكن وإذا تم إبعاد هذه الحقائق والتجارب الوضاءة عن حياتنا فمن الظالم ومن المظلوم ومن الخاسر ومن الرابح ؟ .

أسئلة لا يمكن تجاهلها
* واضح أن هناك أخطاء مركبة أدت إلى أن يجئ هذا الموقف السلبي من علاقة الدين بالسياسة ، فمن أين جاءت هذه الأخطاء وكيف السبيل إلى تصحيحها وما حقيقة علاقة الدين بالسياسة ؟ هذه أسئلة تبدأ الإجابة عليها بالإجابة على أسئلة أساسية عن ماهية السياسة ومفهومها وأهدافها وتعريف السياسي وصفاته وواجباته ، ثم ما هو الدين وما صلته بالسياسة والحياة . ومن أين جاء مفهوم فصل الدين عن السياسة ؟ وهل جاء بسبب موقف الدين أو الوحي الإلهي في أي مرحلة من مراحله من الحياة أم أنه بسبب فهم بشر لدين واحد من الأديان أو ممارسة فرد وجماعة أو حكومة في مرحلة من مراحل التاريخ الغابرة أو المعاصرة يريد البعض أن يعمم موقفه منها جهلا أو ظلما واستغلالاً على جميع الأديان ؟ ثم هي أسباب وأشكال ومواقع الاختلاف بين رجال العلم أو السياسة ورجال ذلك الدين أو المذهب ؟وهل نفس تلك الأسباب تنطبق على الإسلام ؟.
ما موقف الإسلام من أهم عناصر ذلك الخلاف بين رجال الدين والسياسة في ذلك الدين ؟ ما موقفه من العلم ؟ من العقل ؟ من الحضارة ؟ من الإنسان أي إنسان ؟ ومن مخترعاته واكتشافه ؟
ثم هل هذا الموقف السلبي من الدين والذي أدى إلى المناداة بفصل الدين عن السياسة هل هو فهم مجمع عليه في هذا العصر ؟ وهل هو مطبق في الغرب ونظمه السياسية ؟ ما معنى وجود أحزاب سياسية دينية في الغرب : في ايطاليا وفرنسا وألمانيا ؟ ما موقف الغرب من الكنيسة ومن البابا ؟ ولماذا تحت أي ستار قاد الغرب حملاته الاستعمارية في الماضي القريب ؟ ما موقع المبشرين منها ؟ ما دور الكنيسة فيها ؟
ثم ما موقع البابا في الغرب وما موقف ساسة العالم الغربي وقادته ومن خطبه وجولاته وتوجيهاته في الأخلاق والسياسة ومع الحقوق وضد الحرب ؟ أليس هو محل التقديس والتعظيم وليس فقط الاحترام والتبجيل؟
ثم أليست إسرائيل دولة دينية المنشأ والمسمى ؟ أليست هي الدولة الخاصة المخصوصة لليهود دون سواهم ؟ أليست هي الدولة التى لا يجوز لغير اليهودي اعتقاداً وسلالة أن يدفن في مقابرها ، وإن قاتل في صفوف جيشها دفاعاً عنها ؟ أليست هي الدولة التى تمارس عنوة واقتداراً وعلناً وجهاراً الميز العنصري ضد الفلسطينيين وغيرهم ؟ وهل محاولات إسرائيل لفرض سيطرتها على القدس وإصرارها على نقل عاصمتها إليها ومنعها للمسلمين والمسيحيين من زيارة بيت المقدس إلا بسبب تعصبها الديني ؟ ما موقف دعاة فصل الدين عن السياسمن خلط الدين بالسياسة في دولة "عبدالله " إسرائيل ؟ أليس التبني والحماية ؟!
ثم هل المقصود بالرفض من الدين هو الاعتقاد في التوحيد ترجيحا لدعاوي الإلحاد أم المقصود بالرفض منه التعبير عنه بممارسة العبادات ؟ أم أن المقصود رف بعض التجارب التي تمت باسم الإسلام من المسلمين أو متمسلمين في الأقضية والمعاملات على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الحكومات ؟
وهل الإسلام وحده هو المذهب الذي أساء بعض منسوبيه باسمه جهلاً أو قصداً ؟
أليس هنالك غربيين رأسماليين ومسيحيين ومشرقيين إشتراكيين شيوعيين وأوسطيين بعثيين غرقوا وأغرقوا وما يزالون في غمرة ساهون وما يزالون يخوضون في أوحال الظلم والاستبداد والإهلاك لأممهم وشعوبهم وجيرانهم بسبب تطبيقهم لما اعتقدوا أنه المسيحية أو العلمانية أو الشيوعية أو البعثية الحقيقية ؟
هل نادى المنادون بفصل الدين عن السياسة بسبب إساءة بعض منسوبيه بفصل الشيوعية أو البعثية أو العلمانية أو الرأسمالية عن السياسة وقد وقع من بعض منسوبيها أفراداً وجماعات وحكومات ماضيا وحاضر أما عم شره وضره ؟.
وإذا كان الأوروبيون قد لجأوا إلى العلمانية لأن الكنيسة عندهم في ذلك الزمان المظلم أرادوا أن يحتكروا الدين والدنيا ويفرضوا هيمنة الكنيسة ويوزعوا صكوك الغفران لمن يشاءون إعطاءه هذا بينما المسيحية الأصيلة – دعك من المحرفة – ليس فيها نظام دولة وإنما هي دعوة إلى التوحيد من ناحية علاقة الإنسان بربه ودعوة إلى المحبة من جانب علاقة الخلق ببعضهم .
إذا كان ذلك هو الواقع الذي دفع النهضويين في القرون الوسطى إلى مقابلة تطرف رجال الكنيسة في المسيحية المحرفة ضد العلم والعقل ونظرياته وضد التجربة والملاحظة واكتشافاتها بتطرف علماني يدعو لإقصاء الدين عن السياسة ، فهل في الإسلام رجال دين لهم حق الوصاية على الدين ومعتنقيه ؟ وهل في الإسلام صكوك غفران . وماهو موقف الإسلام من العلم ؟ وهل الإسلام دين روحي يعني بالروح دون الجسد أم أنه زيادة على ذلك الغذاء الروحي يهتم بغذاء ورعاية الجسد وكما يركز على معنويات الوجود يحفل بماديته ؟ وزيادة على ذلك يتضمن الإسلام تشريعات وقواعد وموجهات في العلاقات بين الإسلام والأديان السماوية الأخرى والمذاهب الوضعية المختلف والنظريات والاختراعات في الاقتصاد والتجارة والطب والحرب والسلام وفي الأخلاق والتربية وعلاقات الرجال بالنساء والصغار بالكبار والأغنياء بالفقراء والأقوياء بالضعفاء والبشر بغير البشر من مخلوقات الله ليس مجرد الاهتمام عطفاً أو عطاءاً وليس دعوة وإرشاداً أو ترشيداً بل استفادة من كل تجربة واعتماداً لكل معرفة وأخذ بكل حكمة ، من أي جهة جاءت ، فالحكمة ضالة المسلم "أنى وجدها فهو أحق بها" .
====================
مكتب المفكر الإسلامي يوسف حسن

فشل تبرير الإنقلابات

“السطو على السلطة بحجة فرض الإصلاح فشلت تجاربه لأنه يفتح
باب التنافس في التآمر والسطو الليلي على حين غفلة من الناس.”

#يوسف_حسن

معركة كرري النصر المعنوي رغم الهزيمة المادية -يوسف حسن



وفي_كرري_تذكرة_لمن_ساروا_على_الدرب

#معركة_كرري_النصر_المعنوي_رغم_الهزيمة_المادية

==========================

#يوسف_حسن

كانت معركة البطولة الحقة والإقدام الأسطوري ، تضحية بالنفس فداء للوطن ودفاعا عن الدعوة وبصورة قلب الهزيمة المادية الظاهرة نصراً باقياً يفخر به الأحفاد ويعترف به الأعداء قال الأحفاد في حدائهم برجال كرري :

كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية

خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية

وقال الغزاة عن رجال كرري لأشاوس ما هزمناهم ولكنا حصدناهم خلف الأنصار بكرري شاهداً باقياً وهرما شامخا ما يزال السودانيين يستمدون منه زادا روحيا تجدده فيهم معركة كرري حتى لو طافت بالخيال وما يزال أسم كرري هو خط الدفاع الأول الذي يواجه الأعداء فما أسباب ذلك الأقدام
وما سر ذلك التدافع الذي حول النصر هزيمة والهزيمة نصرا .

للإجابة على هذا السؤال نرجع إلى منبع الدعوة وداعيتها .
كما تعلمون فإن محمد أحمد بن عبد الله المهدي فيما بعد – كان أميل أخوته إلى العلم حتى أنصرف إليه وتنقل في طلبه من مسجد إلى مسجد ومن شيخ إلى شيخ يحفظ القرآن ويجود ويدرس تفاسيره ويعب من علوم الدين ويدرس المجتمع ويتعرف على عباده وبلاده .

وفي أثناء ذلك أشتهر بالتزامه الصارم بمقتضى كل نص يمر عليه . مثلما كان الصحابة الأبرار ، لا يتجاوزون البضعة من الآيات حتى يجودوا لفظها ويفهموا معناها فيحلوا حلالها يحرموا حرامها في الحال والتو فلما قيل لهم " فهل أنت منتهون " بلغة السؤال – أجابوا انتهينا وأسالوا الخمر انهارا . هكذا جاءت استجابتهم بعد تدرج أحكم الحاكمين في تحريمها.
إن من صرامة التزام المهدي بمقتضى النص أنه أشتهر بعدم وضع الطعم على الصنارة حتى لا يغش أمة السمك التزاما بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من غشنا ليس منا " وكان ذلك منه في مرحلة طلب العلم وتكرر في تجاربه لكسب الرزق حين سارع إلى الإقلاع عن تجارة الذرة لما حامت حولها شبهة احتكار القوت الضروري لعامة الناس كما أمتنع عن بيع الحطب حتى لا يكون طرفا في صناعة الخمر .

كان مثله الأعلى هو المصطفى صلى الله عليه وسلم يقتفي أثره في خاصة أمره وعامته وقال في ذلك وأمرنا هذا أمر أتباع لا ابتداع، ولخص دعوته في أنه عبد مأمور بأحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما. ولما كان يعلم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس فقد حملها على مشاق طلب العلم وألزمها حدود الحلال والمباح مع زهد وإقلال فيهما والتزم في نفسه ثم أمر أتباعه على إتباع مقتضيات العلم وحقائقه ووجه بترويض النفس بقلة الطعام والشراب والصبر والذل والانكسار لله دون سواء .

وإمعانا منه في تعقب عيوب النفس وإصراراً على تنقيتها من الأدران جعل معظم بيعته على مجاهدة النفس حيث يقول نص البيعة " بايعنا الله ورسوله وبايعناك على ألا نشرك بالله شيئا ولا نعصيك في معروف ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه وأن نقرأ ما تيسر من القرآن والراتب ونزهد في الدنيا ولا نفر من الجهاد ".

ولقد بقي أثر هذه التربية ساريا بل متحكما في الأنصار منذ الأجداد الأبكار إلى الأحفاد المعاصرين الآن ولذلك فشل أعداؤهم مع حرصهم على إثبات تهمة بنجاسة من هذه النجاسات المعنوية والمادية.فالمتطهر الملتزم بتلك البيعة هو الأنصاري وأولئك هم أبناء الروح كما سماهم الإمام عبد الرحمن المهدي أن بيعة الإمام المهدي لم تتضمن عهداً بالولاء له شخصيا أو بالدفاع عن حكومته بل ركز بالتفصيل على التعهد بتنقية النفس وترقيتها فحتى بعد أن بدأ الجهاد وفي وقت كان فيه محتاجا للعدد من الجند عند هجرته من الجزيرة أبا مهد الدعوة إلى جبل قدير قال لأصحابه ( من فيه واحدة من ثلاثة : الحسد والكبر أي العجب وترك الصلاة فليعالجها ) قال لهم ذلك في أول الميسر فلما أشرف على المعسكر ذكرهم بتلك النواقص الثلاث وقال لهم " من ما تزال فيه واحدة منها فليفارقنا إذ لا نصرة لنا به " هكذا فإن الاشتراك في الحرب عند الإمام المهدي لابد أن يقوم على اختيار من الجندي والقائد وليس بالإكراه كما يفعل الآن الذين يجندون الشباب والطلاب قسراً ويرمون بهم إلى محرقة الحرب ثم يطاردونهم بالبنادق إذا حاولوا الفرار .
إن إصرار الإمام المهدي على الالتزام بفرائض الأخلاق لا تبدله ضغوط الحاجة ولا ظروف الحرب. فها هو يحرر ويوزع منشوراً على الأنصار أثناء إحدى المعارك ينهاهم فيه عن الفلول منبها إلى أن الجهاد ليس قتلاً عشوائياً ولا تشفيا وانتقاما أو استعلاء في الأرض بل لا قطع لشجرة ولا قتل لطفل أو امرأة أو شيخ مسن أو أي مستأمن أو مسالم إذ "لا تزر وازرة وزر أخرى " .

وبما يرى البعض أن المهدية كانت مجرد ثورة وطنية ضد ظلم أجنبي وأن الإمام المهدي أعطاه البعد الديني ليكسبها قداسة وقوة كما قال الدكتور الترابي لا . هذا ما لم يفعله الإمام المهدي بل لم يقبله ولكن الدكتور قاله وفعله.
ومن الغريب – إن م. هولت صاحب كتاب المهدية في السودان أعتبر الحافز الروحي الكائن في المهدية والمتمثل في كاريزمية الإمام المهدي هو سر قوتها. وقد ذكر ثلاثة عناصر قاومت الحكم التركي في السودان وقال إن أولها وأهمها وبؤرتها هو أهل الصلاح والزهد الذين طعموا في إصلاح جذري في النظم والعادات - فهل أصاب هولت فيما أخطأ فيه الترابي مع مظنة راجحة بمعرفته هذا بالنصوص الصحيحة التي وردت في الأمر ؟.

لقد كان الصلاح أمنية عامة والصالحون محل الاحترام والتبجيل بدرجة خيف معها على سلامة عقيدة نفسها. وتوزع المسلمون على الطرق مثلما توزعوا على المذاهب وضعف الالتزام الإسلامي عند العامة حتى تهاون البعض في الصلاة ذاتها.
ولكن بقية الفطرة فيهم سليمة ومع علو مكانة الصالحين وشيوع إشاراتهم وأحاديثهم عن عقيدة ظهور المهدي وشيوع تنبؤاتهم عن قرب زمانه تعددت عناصر نجاح الثورة فكان العنصر الحاسم فيها ظهور الإمام الصالح القدوة في الاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم - وتناقل الناس القصص والأخبار عن الشيخ محمد أحمد بن عبد الله وعن علمه وورعه وتُقاه وصلاحه فاتجهت بذلك الآذان لاستماع كل كلمة عنه ثم تقاطر المريدون عليه وبعد إعلان الدعوة وإشهارها أرهفه اذان الأنصار لما يقول وسهل الفهم على العقول . واستجابة الجوارح وتلذذت القلوب بالطاعة .

وصارت مفارقة الدنيا ونعيمها لا تشكل حاجزا أمام النفوس التواقة لأحدى الحُسنيين - النصر أو الشهادة وفي ذاك المناخ غرس القائد الإمام أسس العقيدة فتوظف الموقف مع الكاريزمية مع العوامل الذاتية كأسباب لما قدر الله أذلا وأراد .
وكان أول أساس هو الدعوة إلى توحيد المعبود في العبادة لينقي بذلك عقيدة المسلم من شوائب الشرك وشبهاته .
ومعها الدعوة إلى الاجتماع مباشرة حول الكتاب والسنة إذ أجاب الإمام من سأله عن مذهبه وطريقته قائلا : مذهبنا الكتاب والسنة وطريقتنا لا اله إلا الله محمد رسول الله .
ثانياً : الإتحاد حول قائد يجتمع فيه الشرطان التقلد بقلائد الدين وميل قلوب المسلمين ، حرصا على أن يكون القائد قدوة في الالتزام ومع ذلك يرضى بشورى المسلمين – رفضا لفرض القيادة وإكراه الناس .
ثالثاً : الالتزام بصريح القرآن وصحيح الدلالة من السنة والاجتهاد فيما سوى ذلك على قاعدة: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال .
رابعاً : الجهاد ما قامت أسبابه وفق قواعده وأحكامه مع ملاحظة أن الجهاد للدفاع وليس العدوان . وأن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة - والدليل العملي على ذلك أنه لم يبدأ الحكام بقتال حتى بدءوه.
وأنه كان دائماً ينبه الناس إلى أن المشاركة في الجهاد بالرضا.
وان النصر من عند الله ولابد فيه من صدق النية " كان صدقت نيتكم القشة تقضي غرضكم “.
خامساً : السعي لإصلاح المجتمع للاحتكام إلى الدين في العادات والمعاملات ، بإباحة ما أباحه الشرع أو سكت عنه والانتهاء عن ما نهى عنه .
تلك هي الكلية التي تخرج فيها أبطال كرري وتلك هي الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك التدافع الأسطوري نحو نار كتشنر .
ولذلك سقطت الدولة ولكن بقيت الدعوة مشتعلة الجذوة متجددة الشباب . تقبل الله شهداء كرري ووفقنا للإقتداء بهم على سكة من سكته سكة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد "
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "


مكتب المفكر الإسلامي الشيخ يوسف حسن