العرب والمسلمون في أفريقيا
ورقة مقدمة في المؤتمر القومي الإسلامي الثالث - بيروت
يوسف حسن محمد يس*
تمهيد
عنوان هذه الورقة أحد موضوعات الأوراق التي تم التكليف بها حسب مشروع جدول أعمال الدورة الثالثة للمؤتمر القومي – الإسلامي. وهو عنوان يجعل القارئ يتوقع أن يكون الحديث في الورقة عن تاريخ وجغرافيا وكم ونوع الوجود العربي في أفريقيا أو عن العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بين العرب والمسلمين من جهة وبين الأفارقة غير العرب وغير المسلمين من جهة أخرى في الماضي والحاضر والمستقبل. ولكني سأكتفي بلمسات عن كل ذلك مع التركيز نوعاً ما على موضوع التنافس والمنافسة الغربية للوجود والدور العربي الإسلامي في أفريقيا حسب اختلاف المنطلقات الحضارية والمصالح الاقتصادية مع إشارة إلى التنافس والصراع بين الغربيين أنفسهم بسبب تضارب المصالح محاولاً البحث في مجالات وأسباب ووسائل التنافس والصراع لأخلص في النهاية إلى الدور المطلوب من العرب والمسلمين في أفريقيا حاضراً ومستقبلاً للقيام بواجباتهم الإنسانية عامة وواجبات الجوار والمواطنة خاصة من ناحية وخدمة وانتصاراً وتأميناً للوجود العربي الإسلامي في أفريقيا وخارجها وبالتالي خدمة الحضارة العربية والإسلامية التي نعتقد أن فيها الخير كل الخير للإنسانية جمعاء. سأتجاوز بعض الحقائق مع أهميتها وسأجمل ما أمكن انطلاقاً من شيوع المعلومات الأساسية خاصة عند مثلكم من العلماء والمستنيرين وآخذاً في الاعتبار بعامل الزمن وضيق الوقت.
أولاً: مقدمة جغرافية وتاريخية
1-أفريقيا ميدان التنافس
من الطبيعي أن تتنافس الحضارات والأديان خاصة على قارة مثل أفريقيا عدد سكانها 75800000 نسمة، ومساحتها 30240000 كلم2 فيها كل المناخات؛ متوسط الدنيا وتجاور أكبر قارة مساحة وسكاناً وثاني أهم قارة في الصناعة والتجارة والسياسة (آسيا وأوروبا). وما تزال أكثر أراضيها الصالحة للزراعة بكراً أو بوراً أو مغطاة بغابات تشغل 20 بالمئة من مساحتها فيها من الأخشاب والثمار والثمين الغالي الذي لم تصله يد إنسان إلا لتقطف ثماره أو تقطع أصله بالقطع أو الحرق وخير مثال لذلك السودان الذي فيه 200 مليون فدان صالحة للزراعة لم يستغل منها حتى الآن إلا أقلها.
إن في أفريقيا من الأبقار والأغنام والإبل قطعان بالعشرات والمئات يملكها أناس عاديون، يهيمون وراءها بحثاً عن مبتغاها من الماء والكلأ، ويكتفون منها بالافتخار بعدد ما يملكون إذ أن مكانة المالك تتناسب طردياً مع العدد ارتفاعاً وانخفاضاً ولذلك لا يبالون بما يلاقون في سبيل ذلك من عنت وشقاء.
وما تزال أفريقيا حديقة حيوان مفتوحة تعج بالغريب العجيب من الحيوانات ذات الألوان والأشكال والأحجام رغم آلات الصيد الحديثة ونهم الصيادين المتزايد.
وما يزال الحديث عن معادن أفريقيا أساطير تحكي عن التعدين اليدوي وتصف عملية جمع الذهب بالغربال فإنتاج أفريقيا من الذهب والماس يقدر بأكثر من 75 بالمئة والحديث عن بترولها يغيظ الحاسد ويغري المتجبر ومعظمه ما يزال في باطن الأرض ينادي من يخرجه.
وإذا كان عامة العالم وعلماؤه صاروا يتحدثون عن حرب القرن القادم حول المياه فإن يابسة أفريقيا تطفو فوق بحيرات ضخمة وتشقها أنهار عذبة لا تحصى عدداً، ويكاد طول بعضها لا يبلغ حداً منها النيل والنيجر والكنغو.
العنصر البشري نفسه في أفريقيا يغري المتنافسين فما يزال كثير من سكان أفريقيا خارج دوائر الحضارات والأديان واللغات العالمية مع درجة عالية من الاستعداد النفسي لتقبل الجديد الوافد والتخلي عن القديم الأصيل، فإذا أضفنا هذا إلى تلك الخيرات الوفيرة فإنها تبدو كمخزن كبير من الخامات وليس بدعاً مع كل ذلك أن تتداعى عليها الأمم تبتغي بها النصر المعنوي والمادي لحضاراتها.
2-جدلية الأصيل والوافد
هنالك مفهومان اتصلا بالهجرة ينبغي أن نقف عندهما هنيهة وهما مفهوما الأصيل والوافد اللذان يكثر تداولهما، ويشتد بسببهما الصراع والاقتتال وتثار النعرات العنصرية التي تهدف إلى رفض ما يعتبر وافداً عنصراً أكان أم ثقافة أو حتى صناعة عند بعض الانكفائيين باعتبار الوافد: دخيلاً وغازياً.
ومعلوم أن الهجرة ظاهرة قديمة قدم البشرية ولو جاز أن تقوم القسمة على ثنائية أصيل ووافد لما وجد في الناس أصيل ولا وجد وطن يملكه مواطنون، فالبشرية كلها تناسلت من أصل اثنين هما آدم وحواء زيادة على أن الحديث عن التمايز العرقي السّلالي أو العنصري تهزمه حجتان:
أولاهما: أن أصل البشرية واحد، وثانيتهما: أن التكوينات التي نشأت عن تناسل عرق معين ذوبها الزواج من أعراق أخرى، وأظهر وأقوى ما ساعد على ذلك الهجرات وما ينتج عنها من جوار وتآلف أديا إلى التصاهر. فلم يعد هنالك عرق نقي إلا ما ندر وذلك ما يؤكد أن الانتساب الصحيح الأبقى هو الانتساب إلى الأفكار والحضارة والثقافة "فليست العربية لأحدكم بأم ولا أب ولكن من تكلم العربية فهو عربي". وعلى ذلك جاء النهي عن الدعوة إلى العصبية وعن التمايز بالألوان أو الأعراق فكانت دلالة النص الإسلامي على ذلك مباشرة وصريحة.
لذلك لا بد من معايير أخرى لتحديد الوطن وتعريف المواطنة غير العرق والسلالة مثل السبق الزمني والقابلية للتآلف والتعايش والانصهار فمن سبق إلى مباح فهو له ومن تآلفوا وانصهروا فهم أهل ود ومحبة أما من تميز عن غيره وتعالى عليهم ونفر منهم أو سلك سلوكاً نتيجة نفورهم عنه فمصير ذلك الاقتتال والاحتراب حتى النصر للغالب فالحرب سجال إلى أن يفني أحد الطرفين الآخر، وذلك غير وارد إلا على مشارف فناء الطرفين معاً. هذا أو رحيل وهجرة أحد الطرفين وغالباً ما يكون المهاجر هو المغلوب وربما من لم يعجبه المكان أو السكان فالناس حيثما وجدوا مهاجرون أبناء مهاجرين، والشاهد على ذلك في التاريخ المعاصر هو ما نعيشه اليوم من هجرات وإعادة توطين لبعض الأفارقة والآسيويين في أوروبا وأمريكا وأستراليا. لأسباب اقتصادية أو سياسية تتعلق بالمهاجرين أو لأسباب ديمغرافية اقتصادية سياسية وربما حضارية تخص بعض جهات الاستقبال. أما شواهد ذلك من الماضي فلا حد لها ولكن تثير إلى ما تثبته اللغات والسحنات الحاضرة بل الوجود الذي لا يختلف حوله اثنان.
ومن أمثلة ذلك:
-الهجرات التي شهدتها أفريقيا من جنوب شرق آسيا ومن بلاد العرب ومن البلدان الأوروبية.
-الهجرات التي شهدتها أمريكا الجنوبية من أوروبا وأفريقيا وغيرها.
-الهجرات التي شهدتها أمريكا اللاتينية وآسيا.
-الهجرات التي شهدتها أمريكا الشمالية من أوروبا وآسيا والتهجير الذي قامت به قوتها الغالبة من أفريقيا.
ومن أبرز الدول التي تكونت نتيجة لهذه الهجرات الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد وطن كل الأجناس، وكذلك دولة كندا. أما في أفريقيا فمن أمثلة ذلك جمهورية تنزانيا ومنها زنجبار التي يشير اسمها إلى أكبر عنصرية فيها، وجنوب أفريقيا بمن فيها مهاجرون آسيويون وأوروبيون. وكذلك السودان الذي لا غلب سكانه علاقة سلالية خارجه، ومن أمثلة ذلك غير القبائل العربية، القبائل الحدودية في غرب وشرق السودان فكثير منها بعضها في السودان وبعضها الآخر في البلدان المجاورة، وقد يختلف الناس في أي البعضين هو الأصل وأيهما الوافد أو المهاجر ولكن تبقى حقيقة الهجرة وعدم واقعية نسبة الوطن إلى العنصر أو السلالة – من المفارقات أن البعض يريد إقصاء من يعتقد أنه مهاجر وفي الوقت ذاته يحزم هو أمتعته ليهاجر إلى بلد آخر تحت بند إعادة التوطين؟ وفي السودان مجموعات من المهاجرين حديثاً من نيجيريا تشاد وقد جاءوا إلى السودان بعد العرب بقرون.
3-موقع أفريقيا من بلاد العرب
تسعة من الأقطار العربية في أفريقيا ومعظم العرب في أفريقيا وباقيهم جيرانها، يفصلهم عنها بحر لا أمان به إن لم يتعاهد الطرفان على السلم والأمان. وهو خطر على أبعدهم عنها إن فقدوا وإن بغضتهم نكدت عيشهم بالتنكيد على إخوانهم الذين سكنوها بالمضايقة وربما بالتهديد بقذفهم شرق البحر الأحمر وليس بمستبعد في حلم أعدائهم تكرار واقعة الأندلس في بعض مواقع العرب في أفريقيا. إنها لحسرة أن تضيع أوطان وعار أن يخيب جوار وحماقة أن يعادى المارد من في أدبه (إن كان عدوك نملة لا تنم له).
4-دخول العرب والمسلمين أفريقيا
دخل العرب أفريقيا من الشرق قبل الإسلام ودخل أكثرهم شمالها بعده مع موجات المد الإسلامي فأزالت جيوشهم الحكام وحررت الشعوب ولكن التدوين القديم والحاضر الماثل يتفقان على الإفادة بأن العرب المسلمين لم يكرهوا أحداً على اعتناق دينهم أو التخلي عن دينه، بل التزم أهل العلم منهم بمنهج الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وانصرف عامتهم إلى البحث عن أسباب العيش أما حكامهم فأشهر ما اشتهر عنهم الرأفة بالرعية والعدل بينها والانتصار لمستضعفيها ولو ذلك القصاص من ولاتها كما في قصة ابن الأكرمي التي أطلق فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صيحته المشهورة في وجه واليه عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ سابقاً بذلك إلى إثبات حق الحرية لكل إنسان منذ ميلاده مثلما تقول الآن المادة الأولى من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، إن وجود العرب في أفريقيا هو أحد نتائج الهجرات العديدة التي شهدتها أفريقيا كهجرة الآسيويين والأوروبيين خاصة إلى شرق ووسط وجنوب أفريقيا وقد بدأت الهجرة العربية إلى أفريقيا قبل الإسلام لأسباب اقتصادية تجارية ولأسباب سياسية بسبب الحروب والخلافات التي وقعت حول الحكم مثلاً في اليمن في عهد سيف الدين بن ذي يزن والتي تقول الرواية النيجيرية إنها أدت إلى هجرة بعض السيفيين إلى شمال شرق نيجيريا(ولاية البرنو) حالياً. ثم جاءت هجرتهم كدعاة للإسلام.
استقر العرب المسلمون في شمال أفريقيا وتعايشوا مع من وجدوهم من السكان تعايشاً سلمياً دليله بقاء بعض أولئك على دينهم وعاداتهم ولغاتهم حتى يومنا هذا، بالجوار والاتجار وحسن المعاملة أثر العرب المسلمون في جيرانهم سكان الصحراء الكبرى وجنوبها، فانتشر الإسلام حتى فاق عدد المسلمين غير العرب في أفريقيا، جمع العرب المسلمين في أفريقيا وغيرها وتسربت عادات العرب المسلمين وتقاليدهم عبر التعايش والتماس فالاندماج والتزاوج ثم حلّت اللغة العربية محل كثير من اللغات واللهجات المحلية وبلا جهد معلم أو تكاليف تعليم صارت اللغة العربية هي لغة التخاطب الوحيدة الممكنة بين القبائل ذوات اللغات المختلفة كما هي الحال في جنوب السودان، وبلغت نسبتها 75 بالمئة من لغة الهوسا التي يتكلمها حوالي 200 مليون أفريقي.
ثانياً: موقع العرب والإسلام في الذهن الإفريقي
1-قبل التشويه
حب العرب يملأ قلب كل مسلم أفريقي لارتباطهم بالإسلام، وكل مسلم يتمنى أن يتعلم لغة العرب لأنها لغة القرآن، بل إن الإفريقي المسلم يعتبر مودة العربي حقاً للعربي عليه بنص قوله تعالى في القرآن الكـريم قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى أي القربى من رسول الإسلام محمد (ص) ولذلك تجدهم يبالغون في إكرام الضيف العربي لذلك. وحتى وقت قريب كان الشعور الإفريقي العام تجاه العرب هو التقدير والاحترام ولعل مقاطعة الدول الإفريقية للكيان الصهيوني، ومؤازرة الأفارقة لقضية العرب في كل المحافل والمنابر الإقليمية والدولية إلى حد التضحية بالمصالح الاقتصادية أبلغ دليل على هذا التقدير والاحترام، لذلك فليس غريباً أن تقرر دول أفريقية في حجم وكثافة وأهمية نيجريا وضع اللغة العربية في منهجها الدراسي العام وترصد الميزانيات الضرورية لإعداد المنهج والكتاب وتدريب المدرسين. بل إن الفلسفة الإفريقية التي لا تتحرج من تجاوز الشكل والمظهر إلى الجوهر مباشرة جعلت من قصبة الذرة قلماً ومن لوح الخشب ورقة ومن السناج والصمغ الخام حبراً ومن كل ما يقي من البرد والحر مدرسة ولو كان ذلك جانب جدار أو ظل شجرة وقد تخرج من تلك المدارس علماء في اللغة والعلوم الدينية وحفظة (قواني) يعرفون عدد حروف القرآن وليس فقط آياته ويعرفون موقع عبارة (ربك قال) من القرآن الكريم.
تشويه صورة العربي في الذهن الإفريقي
لا شك أن العربي كواحد من البشر جائز في حقه أن يخطئ وأن يصيب فرسول الإعلام قال للمسلمين "كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابون" ولكن أن يصير الخطأ صفة دائمة فهذا تحامل وأن يعمم خطأ الفرد على كل بني قرابته فهذا ظلم أما أن يرمى البريء بما لم يفعله فهذا بهتان مبين. لقد وقع الخطأ من بعض العرب كما وقع من بعض الأفارقة ومن جرائم ذلك الوقت التي وقعت من بعض الأفراد العرب جريمة الاسترقاق، ولكن أهل ذلك الوقت تعاملوا معها بمنطق وقتهم حيث كانت المحافظة على الحرية مسؤولية شخصية والاعتداء عليها وزر وازره. ولما كان المخطئون قلةً قليلةً لم تتأثر صورة العربي في الذهن الأفريقي بتلك الأخطاء وبقي التقدير والاحترام كما هو.
ما شذّ عن هذا فيما رأيت ودريت إلا أهلنا في جنوب السودان ولكنهم معذورون إذ قيل لهم إن العربي هو تاجر الرقيق ورأوه على جدران الكنائس مصوراً بزيه العربي المميز يسوق الأفارقة إلى الأسواق مقرنين في الحبال. ولم لا يصدقون وقد رأوا ذلك في مكان يقدسونه ومن شخص ينادونه (القديس)!
تزامن هذا مع قفل جنوب السودان في وجه اللغة العربية والدعوة الإسلامية بقرار من المستعمر الإنكليزي إبان الحكم الثنائي الذي انتهك بذلك الحقوق التالية:
-حق الحضارة العربية في أن تنافس الحضارة الغربية.
-حق مواطني المناطق المقفولة في أن يختاروا بين اللغتين العربية والإنكليزية أو أن يتعلموهما معاً.
-حق المسلمين في حرية الدعوة إلى دينهم أسوةً بغيرهم.
-حق مواطني المناطق المقفولة في أن يستمعوا إلى الدعاة الإسلاميين.
إنها مفارقة أن يكون من يحاول تجريم غيره بانتهاك حرية الآخرين هو منتهك كل الحقوق أعلاه.
فهذا يدعم حجة القائلين بأن الأمر كله أمر مصالح والباقي مبررات وليس أمر حق وواجب.
لقد حكم الاستعمار غيابياً بأنهم تجار رقيق ووصفهم بالقسوة والغلظة واحتكر الرحمة والرأفة لنفسه ولعب وحده في حلبة الصراع الحضاري منفرداً بجنوب السودان طيلة النصف الأول من القرن العشرين يدعو لحضارته ودينه ويلقن التلاميذ لغته ويبدل أسماءهم الإفريقية بأسماء إنكليزية فزين صورته وقبح صورة العربي فتأثر تبعاً لذلك الإسلام لارتباطه بالعربي.
إن موقف الغرب من العروبة والإسلام موقف تمليه عليه مصالحه المادية في ضوء منطلقاته وثوابته الحضارية وفي طيّاته نظرة عنصرية استعلائية أهم دور للشرقيين فيها أن يكونوا وسائل إنتاج للمواد الخام ومستهلكين لمنتجات الصناعة الغربية وعلى رأسها السلاح وهو ما لخصه أ. هندرسون صراحة في حزيران / يونيو 1929 حين قال: "إن إنكلترا كدولة مسيحية لا يمكنها بحكم دينها أن تشارك في سياسة تشجيع انتشار العروبة والإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثني، إذ أن ذلك قد تترتب عليه نتائج مدمرة بالنسبة لمصالحنا، ويلخصه من جانب الفرنسيين ما ورد في تقرير فور مسترو حيث ورد: "... لم تعر فرنسا أي اهتمام للتعليم العمومي بل إن الفرنسيين أضعفوا المؤسسات التعليمية . . . إذ اغتصبوا أملاك المساجد والزوايات التي تمول مشاريعها الخيرية والتعليمية".
لقد دخل الغربيون أفريقيا كما دخلها قبلهم العرب ولكن أهداف الطرفين تختلف باختلاف نظرتها إلى الإفريقي ونتائج التجربتين خير ما يفتينا في ذلك فالعرب دخلوا أفريقيا ولم يبيدوا سكانها الأصليين، بل تزاوجوا معهم حتى امتزجت دماؤهم واختلطت أعراقهم وتلاقحت لغتهم مع اللغات المحلية كما في لغة الهوسا، وحيثما حلت محلها فقد تم ذلك اختيارياً وتلقائياً من غير تلقين ولا إكراه عليها ولا منع لغيرها وحتى البلاد التي فتحوها فتحاً لم تشك منهم بل لانت تحت أقدامهم راغبة راضية. أما الغربيون فإنهم قد دخلوا معظم أفريقيا بما في ذلك التي سبقهم إليها العرب ولكن كل الشعوب التي وطئ الغربيون أرضها ضاقت بهم وماجت أرضها تحت أقدامهم، ولم يهدأ لكل تلك الشعوب بال حتى تم جلاء آخر جندي من الغربيين وصارت أيام خروجهم أيام أعياد أفريقيا الوطنية، لا تفسير لذلك عندي إلا ما ورد في كتاب العلاقات العربية الأفريقية – دراسة تاريخية للآثار السلبية للاستعمار الذي أصدره معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة سنة 1977 حيث جاء أن الإيطاليين دخلوا أفريقيا بـ "أهداف استثمارية تقوم على استغلال المنطقة وأهلها لصالح الاقتصاد الإيطالي". وأعتقد أنه لا خلاف في ذلك بين إيطاليا وإنكلترا وفرنسا وبلجيكا وغيرها.
ثالثاً: الاستعمار الحديث
يتمثل الاستعمار الحديث في بقايا وآثار الاستعمار القديم زائداً الجديد المبتكر من الوسائل، ولكن الأهداف في الحالتين هي ربط البلد المعني بالمستعمر الحديث اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ومن ذلك:
-علاقات ثقافية اقتصادية تجسدها وترعاها بريطانيا بمستعمراتها المتمثلة فيما يسمى رابطة الكومنولث – وعلاقة فرنسا بمستعمراتها المتمثلة في الفرانكفونية.
لقد انسحبت بعض الدول المستعمرة عن مستعمراتها انسحاباً تاماً أو شبه تام. هكذا فعلت بلجيكا وإيطاليا مثلاً. وانسحبت بريطانيا وفرنسا من كل مستعمراتها الواحدة تلو الأخرى، ولكنها أبقتا في معظم مستعمراتها على علاقات تقوى في حالات الضعف والحاجة فتبدو كأنها علاقة أبوة أو وصاية. حتى إن المستعمر القديم ليتدخل عسكرياً لحماية أو تغيير الحكومة القائمة كما حدث في بعض بلدان وسط أفريقيا.
التنافس الغربي على أفريقيا: (هل هو محاولة لإعادة الاقتسام)؟: لقد تدخلت أمريكا أخيراً كمنافس جديد ربما يهدف أن يرث كل سابقيه في منطقة البحيرات ومنابع النيل تدخلاً أسبابه الظاهرة وقف الحروب والدعوة إلى السلام والاستقرار ونصرة المستضعفين وصون الحريات العامة.
إنه تدخل ناعم الملمس يصعب رفضه ويصعب وصف دوافعه بغير الإنسانية، فوسائله هي: تسليح الثائر وتمويله وإغاثة منكوبي الحرب وإعادة توطين الناجي منها. وما أدراك ما أهداف إعادة التوطين؟ هل يهدف إلى إفراغ نوعي للوطن من موارده البشرية؟ هل يعني إعادة صياغة توطينه ثم إرجاعه إلى وطنه بلغة وحضارة غربية ليخدم أهداف ومصالح الغرب في وطنه الأصلي؟ أم أن الأمر هو فقط لدوافع إنسانية بحتة من قلوب الغربيين الرحيمة العطوفة على المضطهدين في أوطانهم؟!
1-وسائل الصراع على أفريقيا
عندما دخل العرب والمسلمون أفريقيا دخلوها كسكان وعاشوا فيها كبعض أهلها فلم تكن مطالبهم تتجاوز كثيراً حدود الاحتياجات الضرورية لهم ولأنعامهم وفي أغلب ذلك كانوا يتعاملون بقاعدة (الناس) "كل الناس" شركاء في ثلاثة: الماء والهواء والكلأ.
وحتى الذين جاءوا إلى أفريقيا بسببه لم يعرف عنهم أنهم أعطوه الأولوية أو حتى اهتماماً يناسب قدر ما تكبدوه بسببه من عناء الترحال ومعاناة مفارقة الأوطان كأنهم أخذوا بمقولة أبي طالب (فقالوا أيضاً: "للدين رب ينشره") واشتغلوا هم بأنعامهم وبنوا علاقاتهم مع غيرهم على قاعدة: ابذل لهم خيرك وكف شرك.
فكان من ثمار هذا التعايش، المحبة ومن ثم الإعجاب فمن أحب شيئاً أحب توابعه: قال الشاعر: وأحب لحبها سود الكلاب.
إن العرب المسلمين قوم معتدلون في حالة التمييز العرقي والشاهد على ذلك اختلاط أعراقهم بالرومان في الشام والأقباط في مصر والبربر في شمال أفريقيا وبالحاميين والزنوج في أفريقيا جنوب الصحراء.
لقد وقفت في نيجريا على واقعة حقيقية حديثة تقوم دليلاً على أن الإسلام انتشر في أفريقيا وغيرها بالحكمة والمعاملة الحسنة، وهي واقعة بطل قصتها رجل لم يتلقَ العلم في جامعة أو مدرسة بل تلقاه ربما تحت شجرة أو خلف جدار ثم قصة الإمام عبد الرحمن بن المهدي في السودان. وقضى معه عاماً واحداً وجهه بعده الإمام بالعودة لإرشاد أهله في نيجريا – كان ذلك في نهاية الخمسينيات (حوالي 1958). زرته في عام 1982 في بلدة قوزا جنوب شرق ولاية البرنو بنيجيريا فوجدته وقد أصبح سبباً في إسلام حوالي 75 بالمئة من سكانها متفوقاً بذلك على منافسيه من الأطباء البيطريين رغم إمكاناتهم المادية – سألته عن السبب- فلم أجد – غير أنه طبق قاعدة: الدين المعاملة – قال لي: إنه لم يحاول تلقين أحد من أولئك المواطنين اللادينيين العراة الشهادة أو غيرها بل بنى لنفسه بيتاً مثل بيوتهم وعاش مثلهم على كد يمينه وعرق جبينه ولكنه يدعو المارة منهم إلى طعامه ويحبب إلى جلسائه ستر العورة ويشرح لهم كيف يطهو الطعام. هذا بينما منافسوه يحدثونهم أطيب الحديث ولكنهم يغبنونهم في التجارة بشراء أشيائهم بأبخس الأثمان ويغيظونهم بالعيش بعيداً عنهم في معسكرات مسورة لقد كان أولئك المبشرون كما تحدث التاريخ عنهم. طلائع الاستعمار الذين استغلوا الدين سبباً لاستعباد العباد فنطقوا بنصوصه ودعوا غيرهم إلى معانيه وقيمه وأمروا الناس بالبر ونسوا أنفسهم، فكانت النتيجة المقالة بلسان الحال هي جواب السؤال القرآني الاستنكاري أفلا تعقلون وفي ذلك دليل عملي على خيبة من يسيء استغلال الدين ويستخدمه ذريعة لهوى أو مصلحة أو هدف غيره.
2-ثبات الأهداف وتغيير الأساليب
انقشع عهد الاستعمار بالقوة ولكن لم تشبع نفوس الطامعين في خيرات أفريقيا، المستضعفين لإنسانها فبقيت بعض الوسائل لتحقيق تلك المطامع وعلى رأسها: استغلال العاطفة والعلاقة الدينية.
وهكذا تبدلت بعض الوسائل القديمة لتحل محلها وسائل جديدة منها:
-محاربة الاضطهاد الديني العرقي.
-حماية حقوق الإنسان.
كلمات حق ولكن هل يراد بها الحق؟ خاصة إذا كان حماة حقوق الإنسان اليوم هم مستعبدون بالأمس فهل معنى ذلك إنهم تابوا وندموا؟ ذلك جائز ومطلوب، ولكن الواقع يقول إن الإنسان في بلاد هؤلاء ما يزال يعاني من لسعات نظرات الميز العنصري وغمزات اختلاف اللون وما يقال عن حرية دينية هو حديث عن حرية محدودة في حدود فهم القوة الغالبة وليس حسب ما تقتضيه النصوص المعتقد فيها.
بعض القرائن تشير إلى أن الغرب حدد مصالحه واعتبر الإسلام عدو هذه المصالح وفهم يقيناً أن قوة العرب في الإسلام.
إن الغرب يفتأ يخطب ود الأفارقة محاولاً محو آثار استعماره السيئة بل ومحاولاً إعادة تقديم نفسه بصورة إنسانية وحضارية راقية ومثالية ذلك بأن الغربيين:
-جعلوا من بلداتهم ملاذاً للمنكوبين والمضطهدين بمن فيهم المسلمون والعرب.
-جعلوا بنود الحريات العامة ومكافحة آثار الكوارث الطبيعية والصناعية ضمن أجندات وجداول أعمال مؤسساتهم التنفيذية والتشريعية والقضائية.
-شكلوا الوجود الفاعل لمغيث يتكفل بتوفير المواد الغذائية والعلاجية والتي تشمل رعاية النساء الحوامل حتى مرحلة الولادة كما تشمل الرعاية اللازمة لكل أفراد الأسرة المنكوبة أو اللاجئة ويزيد على ذلك بدفع نثريات أسبوعية ودفع المصاريف المدرسية أو فتح فصول أو مدارس لتعليم أبناء اللاجئين. يفعل الغرب ذلك عن طريق الجمعيات الخيرية، كما دخلت الكنائس بشكل مناسب فعلاً مع الحديث عن الأخوة الإنسانية وواجب التراحم والتكافل وقد فتحت بعض الكنائس أبوابها وأتاحت كل إمكانياتها للاجئين ليس فقط من أجل تقديم العلاج والغذاء الضروريين فحسب ولا التعليم الأساسي لأبنائهم وكفى، بل وفرت لهم مكاناً للرياضة والترفيه لا تفرق في ذلك في الظاهر بين المحتاجين بسبب أديانهم أو أوطانهم أو أعراقهم.
-ضمّنوا في ميزانيات بلدانهم حصصاً معتبرة للفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي الرقاب والعاملين عليهم فكأنهم طبقوا الزكاة الإسلامية جباية وتوزيعاً، بينما لا أثر يذكر للعرب والمسلمين في ذلك مع أنه واجب عليهم بحكم الدين وهم أولى به بحكم ما عرف عنهم من شهامة ومروءة ونخوة.
إنه موقف لا بد أن يسجل ويذكر بالشكر والعرفان العرب ولكن الصورة المقابلة له بالنسبة إلى الدور الإسلامي والعربي تصل درجة أن يقال عنها أنها عيب وعار خاصة وأنها عجز القادرين على التمام.
لقد أدى العطاء الغربي المسيحي مقابلاً بالإحجام العربي الإسلامي إلى فتنة بعض المسلمين في دينهم إلى حد الارتداد العلني عن الإسلام، ولا بد من تخيل ما دون ذلك وأدناه عدم الرضى عن العرب والمسلمين الذين صنّفهم المحتاجون في خانة المتفرجين على المنكوبين بينما صنفوا الغربيين في خانة الإنسانيين المثاليين، ووضعوهم موضع القيادة بجدارة واستحقاق انطلاقاً من واقع العمل والعطاء المستمر.
3-المطلوب من العرب والمسلمين
من المؤسف أن يضطر المرء لاستهلاك الكلام عن المطلوب من العرب والمسلمين في نهاية القرن العشرين بتوصية وردت بصيغة الوجوب في مذكرة عن مشروع اليونسكو لتدوين اللغات الإفريقية وتوحيد أبجدياتها بتاريخ أيلول / سبتمبر 1965 م حيث جاء "...إن من واجبنا بعد أن ظفرت الشعوب الإفريقية باستقلالها وبعد ارتفاع الستار الحديدي الذي أسدله المستعمرون عليها وعلى شعوب العالم العربي خلال فترة استعمارهم أن نعمل على معاونة الإفريقيين فيما ينهضون به بإزالة رواسب الاستعمار الثقافي ومن أبرزها تشويه التاريخ العربي في أفريقيا. . .".
ولكن على عكس هذا جاءت أفعال العرب "تأكيداً لما قال كاشح" وليس معنى ذلك أن رصيد نشاط العرب والمسلمين في أفريقيا صفر في مجال التنافس الحضاري والاقتصادي والعمل الإنساني ولكنه أقل من اللازم حسب الظن والعشم. فالحقيقة هي أن رصيدهم يشمل تقريباً كل مجالات الحياة وذلك مما يؤكد نجاح التجربة وقابلية البيئة للاستجابة وهو مما يوجب تكرار التجربة ومضاعفة الجهود ففي مجال التواصل الثقافي لا بد أن نذكر المنح الدراسية والبعثات التعليمية التي قدمتها وتقدمها مصر عن طريق الأزهر بمختلف مراحله الدراسية وفي الجامعات والكليات المختلفة وكذا جامعة المدينة المنورة الإسلامية، فقد استفاد كثير من أبناء أفريقيا من تلك الخدمات وخريجوها الآن مسؤولون كبار في مواقع هامة في دولهم.
أما في مجال التجارة والاقتصاد فقد شكّل السوريون واللبنانيون واليمنيون وجوداً ملحوظاً في كثير من دول أفريقيا من أقصى شرقها إلى أقصى غربها وكعادتهم فهم على صلة قريبة بتلك الشعوب وبعضهم تزوجوا هنالك وانصهروا في المجتمع المحلي.
وفي ميدان السياسة فمواقف العرب في دعم حركات التحرر الأفريقية مشرف ومعروف ومن شواهده الباقية الجمعية الأفريقية بلجنتها القومية التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة.
أما في مجال النجدة والمروءة والإغاثة فقد كان العطاء العربي سخياً إبان كارثة السيول والأمطار التي حدثت في السودان في أواخر الثمانينات وفي الفتن التي اجتاحت الصومال. ولكن ذلك لا يحسب في حساب العلاقات العربية – الأفريقية لأن البلدين عضوان في جامعة الدول العربية بل إن مقارنة سخاء العطاء العربي للسودان أثناء كارثة السيول والأمطار بالمقارنة بما يشبه الإحجام في التعامل مع منكوبي الحرب الأهلية خاصة في الجنوب ربما فُسر بأنه نوع من التمييز مما يفاقم المشكلة بين الشمال والجنوب ويعقدها أكثر. إن أبرز خدمات الإغاثة خارج إطار الجامعة العربية هو موقف ليبيا مع الشعب التشادي أيام محنة الحرب الأهلية طيلة الثمانينات ومواقفها الإيجابية في دعم جنوب أفريقيا في كفاحها ضد دولة التمييز العنصري وكذلك سعيها للتوفيق بين المتنازعين من الأفارقة. ولكن كان من الأفضل أن تكون هناك منظمات خيرية عربية وإسلامية للتوفيق بين المتنازعين من الأفارقة. ولكن كان من الأفضل أن تكون هناك منظمات خيرية عربية وإسلامية للإغاثة تذكر بسبقها وتفوقها على نظائرها العربية في كل مناسبة نجدة وإغاثة وعمل بر وخير في كل العالم خاصة في أفريقيا التي ظلت تفور بالكوارث الطبيعية والصناعية كما حدث في سيراليون والكونغو ورواندا وبورندي وما لا يزال يحدث في السودان خاصة جنوبه كما كان ينبغي أن يكون للعرب دور فاعل في كل مشاكل ونزاعات أفريقيا فهذا يوجبه رصيدهم في النجدة وذاك يوجبه رصيدهم في النجدة والكرم معاً.
إن من أسباب توقع سخاء العطاء العربي في إغاثة المنكوبين، اشتهار العرب بالكرم والنجدة والمروءة عبر التاريخ فهذه من أكثر المفردات استعمالاً في المدح والفخر عندهم قديماً، كما أن الإسلام أبقى عليها وأعطاها بعداً أعمق وأبقى إذ جعلها زاداً يرجى حين لا ينفع مالٌ ولا بنون إذا خلصت النية وسلم العطاء من المن والأذى. فتفريج كربة عن مكروب في الدنيا يفرج عن المنفق كربة من كربات يوم القيامة. وزيادة على هذا وغيره مما هو معلوم وتأسيساً عليه ازداد التوقع شدة منذ السبعينات لارتباط العرب بعدها بالثراء العريض الناتج عن نعمة البترول، فآثار هذه النعمة ظاهرة في بلاد العرب وبادية على العربي أينما كان، وذلك مما لا يختلف حوله اثنان وقد نقل الحجاج الأفارقة أخبارها وأوصافها إلى كل أصقاع وبقاع أفريقيا.
لذلك فحينما تفتقد الإغاثة العربية والإسلامية بعد كل هذه الخلفيات والمعلومات والتوقع فإن اللوم يكبر وعدم الرضى يتضاعف لأنه عجز القادرين على التمام. ويزيد التقصير شناعة عندما يقابله وجود غربي مسيحي كثيف في كل مواقع النكبات وبأسرع ما يمكن. فلا يكاد الإفريقي المنكوب يفيق من صدمة النكبة حتى يجد الخواجة واقفاً على رأسه يمد له يده وفيها الماء والطعام والدواء والكساء وينصب له المأوى ويظل يلازمه حتى انجلاء الغمة. إنه إحسان وفي وقت ضيق وحاجة نتيجة الحتمية أن يمحو سيئات سني الاستعمار خاصة بالنسبة للأجيال التي لم تعاصر الاستعمار ولم تذق ويلاته فهذا مناخ مناسب لا شك في قدرة الغرب على استغلاله في صراعه مع العرب والمسلمين في أفريقيا لأنه يدعم وربما يؤكد مزاعمه التي شوّه بها صورة العرب والمسلمين في أفريقيا.
ومن المؤسف أن يساعد العرب الغرب على تأكيد صحة مزاعمه التي شوهت تاريخهم في أفريقيا بالغفلة والانصراف عن قارة كأفريقيا هي بالنسبة إليهم وطن وجار وعمق أمني ومجال استثمار وسوق قريب يمكن أن يبلغوه حتى بدوابهم.
لكن الأسف وحده لا يجدي إلا أن يتبعه عزم وشروع فوري في تصحيح الأوضاع، وبافتراض ذلك فإني أقترح ما يلي:
أن يراجع العرب والمسلمون علاقاتهم مع أفريقيا للاعتبارات التي تكرر ذكرها سابقاً، والتي توجب عليهم أخلاقياً، ودينياًَ وإنسانياً وأفريقياً حقوق المواطنة والجوار وفضائل التكافل والتراحم مثلما توجبه عليهم أمنياً واقتصادياً حماية لأنفسهم من الناحية الأمنية ونفعاً لها من الناحية الاقتصادية ومن ذلك:
1-أن يهتموا بدعم نشر اللغة العربية في أفريقيا ليس بإنفاق المبالغ الطائلة في إنشاء مباني المدارس والمراكز والكليات ولكن فقط بدعم الجهود الشعبية والرسمية عن طريق:
-إعداد المنهج الملائم لتعليم العربية للناطقين بغيرها في القطر المعني ويجب في ذلك الاستفادة من إمكانيات معهد الخرطوم المختص في مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. وأي جهات اختصاص وخبرة أخرى.
-تطوير وتوفير وسائل الإيضاح والتعليم السمعية والبصرية وفتح فرص دراسات عليا ومحفزات أخرى لدراسة اللغة العربية.
-دعم مرتبات معلمي اللغة العربية في البلدان الأفريقية بما يجعلها مساوية لرصفائهم في البلدان البترولية والغربية حتى لا يهدروا تجاربهم وخبراتهم بالهجرة بحثاً عن الأجر الأكثر.
2-أن يهتموا بدعم التعليم الإسلامي ولكن ليس بطريقتهم التقليدية في إغداق الأموال على الوكلاء أو المدرسين المبعوثين بل بالتنسيق مع الجهود الرسمية والشعبية ومع المنظمات الجادة ذات العطاء والقدرات البشرية المؤهلة وذلك عن طريق:
-توفير الكتاب المدرسي والخدمات الضرورية.
-صيانة المبنى القائم ودعمه بملحقات حسب الحاجة.
-دعم مرتبات العاملين من إداريين ومشايخ.
3-أن يشكل العرب والمسلمون وجوداً إغاثياً فاعلاً في حالات الكوارث الطبيعية (مجاعات وسيول وفيضانات . . .).
وفي حالات الكوارث الصناعية (الحروب وما تفرزه من أوضاع لاجئين محتاجين لأبسط وأهم الضروريات من مأوى وقوت وعلاج وتعليم.
إن مما يساعد على ذلك ويخدم أغراضه ويحقق سعادة الدارين العمل على جمع الزكاة أو الدعوة لإخراجها وتنظيم صرفها حسب الأولويات التالية: الإغاثة والعلاج والتعليم والتنمية الفردية والاجتماعية، ومعظم ذلك يدخل في بنود مصارف الزكاة مثل الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله هذا بجانب الجدوى الاقتصادية له. هذا إلى جانب ضرورة تخصيص حصص من الميزانيات العامة في هذا الاتجاه، كما يمكن تنفيذ ذلك عن طريق دواوين الزكاة التابعة للدولة أو بواسطة موظفين مختصين في مكاتب مختصة والأفضل دعم أو إنشاء منظمات خيرية إنسانية وتأهيلها للقيام بهذه المهام الهامة.
4-أن يسعى العرب والمسلمون لتجويد وإنضاج تجاربهم الديمقراطية بوجه عام، ولكن أثناء ذلك السعي إلى أن يبلغ السعي مداه يمكنهم معالجة الأمر بتبادل توفير إعلانات الأمن واتباع نظام الضمان والتكافل الاجتماعي مع المخرجين من ديارهم بسبب الخلاف مع القوة الغالبة في أوطانهم ولا بأس من التواضع على القيام بهذا الدور وليس بالضرورة أن يعني ذلك إيواء أو دعم إرهابيين لاستخدامهم كأوراق ضغط في الخصومات والخلافات الناشئة أو التي يمكن أن تنشأ بين الدول الشقيقة بل إن مثل ذلك في تراثهم لجوء الابن أو الأخ إلى العم أو الخال أو الجار دخيلاً ولائذاً إذا حصل خلاف في أسرته أو قبيلته.
إذا وفق الله العرب والمسلمين إلى تنفيذ هذا البرنامج فإن عائداته المعنوية والمادية عليهم ستكون أكبر من عائداته على الأفارقة أنفسهم وأول هذه العائدات وأساسها الرضى وعودة التآلف ومن ثم التعاون والتآزر وأكثر من ذلك وقبله الأمن والاستقرار والاطمئنان الذي لن يقتصر على العرب الأفارقة فحسب بل يعم كل بلاد العرب لأنه سيمحو آثار محاولات التشويه وسيهيئ المناخ لحل مشاكل التماس الجغرافي وتوظيف تشابك المصالح الاقتصادية بين الدول، بل وعلى مستوى الأفراد كما سيساعد على حل مشاكل أفريقيا التي لا شك في تأثر العرب والمسلمين بسلبياتها إن استمرت بدون حلول.
وعلى الله قصد السبيل.
موضوع الهجرة وإعادة التوطين يستنزف قدرات الأمة البشرية – شباباً وخبرة. وقد يؤدي إلى التشويش على حضارتها في حالة العودة – ودواعيه كانت وستكون وعلى رأسها الأسباب الاقتصادية والسياسية فعلاً، دعونا إلى معالجة ذلك بالتأكيد على إعطاء الأولوية في فرص العمل لطالبيها الأكفاء من أبناء الأمة العربية، ولاسيما أن استخدام غيرهم بحجة قبولهم بأجور أقل له تأثيرات سلبية خاصة في مجال التربية والاختراق الحضاري.
كما أرى أن ندعو إلى أن يتم قبول طلبات اللاجئين في حدود دولة الأمة العربية – على أساس إيواء الأخوة الأشقاء في ظروف الشدة بدلاً من إعطاء هذا الشرف للغرب، وبخاصة أن ذلك يصف خاصة الدعاة إلى الإسلام بالتناقض بين ما يقولونه عن سماحة الإسلام وبين واقع أنهم هم أنفسهم لا يجدون مكاناً يعيشون فيه في كل البلاد العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق